للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٨٩ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ صَدَقَةَ بْنَ الْفَضْلِ، وَسُئِلَ، عَنْ تَارِكِ الصَّلَاةِ،؟ فَقَالَ: «كَافِرٌ» ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: أَتَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ؟ فَقَالَ صَدَقَةُ: «وَأَيْنَ الْكُفْرُ مِنَ الطَّلَاقِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَفَرَ لَمْ تُطَلَّقِ امْرَأَتُهُ» ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ رَوَى فِي أَحَادِيثَ: إِنَّ الِارْتِدَادَ تَطْلِيقَةٌ، فَقَالَ: «يَكْذِبُ فِي ذَلِكَ فَمَا صَحَّ فِيهِ شَيْءٌ»

٩٩٠ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ، يَقُولُ: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ، وَذَهَابُ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَغْرِبَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا جَعَلَ آخِرَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ مَا وَصَفْنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةَ وَفِي السَّفَرِ ⦗٩٣٠⦘ فَصَلَّى إِحْدَاهُمَا فِي وَقْتِ الْأُخْرَى فَلَمَّا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُولَى مِنْهُمْ وَقْتًا لِلْأُخْرَى فِي حَالٍ، وَالْأُخْرَى وَقْتًا لِلْأُولَى فِي حَالٍ صَارَ وَقْتَاهُمَا وَقْتًا وَاحِدًا فِي حَالِ الْعُذْرِ، كَمَا أُمِرَتِ الْحَائِضُ إِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَإِذَا طَهُرَتْ آخِرَ اللَّيْلِ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.

٩٩١ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَمِمَّا أَجْمَعُوا عَلَى تَكْفِيرِهِ وَحَكَمُوا عَلَيْهِ كَمَا حَكَمُوا عَلَى الْجَاحِدِ فَالْمُؤْمِنُ الَّذِي آمَنَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَمِمَّا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا، وَيَقُولُ: قَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ مُحَرَّمٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ شَتَمَ نَبِيًّا أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ وَلَا خَوْفٍ.

٩٩٢ - أَلَا تَرَى إِلَى مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «أَحْسَنْتُ» قَالَ: وَلَا أَجْمَلْتَ فَغَضِبَ أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى هَمُّوا بِقَتْلِهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفِّ، وَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «تَأْتِينَا» فَجَاءَهُ فِي بَيْتِهِ فَأَعْطَاهُ وَزَادَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَحْسَنْتَ قَالَ أَيْ ⦗٩٣١⦘ وَاللَّهِ، وَأَجْمَلْتَ فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: " إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ هَذَا وَمَثَلَكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ فَشَرَدَتْ عَلَيْهِ فَأَتْبَعَهَا النَّاسَ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا نُفُورًا، فَقَالَ صَاحِبُ النَّاقَةِ: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَاقَتِي فَأَنَا أَعْلَمُ بِهَا وَأَرْفَقُ، فَأَخَذَ مِنْ ثُمَامِ الْأَرْضِ شَيْئًا، ثُمَّ جَاءَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: هَوَى هَوَى فَجَاءَتْ فَاسْتَنَاخَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَإِنِّي لَوْ أَطَعْتُكُمْ حِينَ قَالَ هَذَا مَا قَالَ فَقَتَلْتُهُ دَخَلَ النَّارَ " قَالَ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عِدَّةٌ مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

٩٩٣ - قَالَ إِسْحَاقُ: فَفِي هَذَا تَصْدِيقُ مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالرَّدِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ كَانَ كُفْرُهُ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ وَغَيْرِ الِاسْتِهَانَةِ رُفِقَ بِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَا أَنْكَرَهُ كَمَا رَفَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَعْرَابِيِّ ⦗٩٣٢⦘، وَقَوْلُهُ لِأَصْحَابِهِ: «إِنِّي لَوْ قَتَلْتُهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ دَخَلَ النَّارَ» دَلَّ أَنَّ نَبْوَتَهُ عَلَى قَوْلِهِ يَصِيرُ بِهِ كَافِرًا، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ كَفَرَ فَرُجُوعُهُ إِلَى الْإِيمَانِ فِيهِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يُدْعَى فِي رُجُوعِهِ عَنْ كُفْرِهِ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا فَكَذَلِكَ تَارِكُ الصَّلَاةِ يُدْعَى إِلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا نَدِمَ وَرَاجَعَ زَالَ عَنْهُ الْكُفْرُ.

٩٩٤ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْوَقِيعَةِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ فِي شَيْءٍ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ فَهُوَ كُفْرٌ يُخْرِجُهُ مِنْ إِيمَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِكُلِّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى.

٩٩٥ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَلَقَدْ جَعَلُوا لِلصَّلَاةِ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الشَّرَائِعِ كَالْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ لِمَنْ يُعْرَفُ إِقْرَارُهُ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ قَالُوا: مَنْ عُرِفَ بِالْكُفْرِ ثُمَّ رَأَوْهُ مُصَلِّيًا الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا حَتَّى صَلَّى صَلَوَاتٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَعْلَمُوا مِنْهُ إِقْرَارًا بِاللِّسَانِ أَنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَحْكُمُوا لَهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَا فِي الزَّكَاةِ، وَلَا فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَمَنْ كَانَ مَوْقِعُ الصَّلَاةِ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ كَذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ الْكَافِرُ بِصَلَاتِهِ خَارِجًا مِنْ كُفْرِهِ وَلَمْ يَرَ الْمُؤْمِنُ بِتَرْكِهِ الصَّلَوَاتِ عُمْرَهُ كَافِرًا إِذَا لَمْ يَجْحَدْ بِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ وَصَارَ نَاقِضًا لِقَوْلِهِ بِقَوْلِهِ.

⦗٩٣٣⦘

٩٩٦ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا حَتَّى يَخْنُقُوهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَيَجْعَلْ صَلَاتَهُ مَعَهُمْ سُبْحَةً. قَالُوا: لَوْ كَانَ الْقَوْمُ بِتَضْيِيعِهِمُ الْوَقْتَ كَافِرًا لَمْ يَجُزْ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا إِذَا كَانَ الْإِمَامُ كَافِرًا. وَقَالُوا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ الْجُحُودَ وَأَخْطَاءُوا التَّأْوِيلَ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يُؤَخِّرُوا الْجُمُعَةَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ إِنَّمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيَقْرَءُونَ كُتُبَهُمْ وَيَدَّعُونَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِأَمْرِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ لَهُمْ فَهُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَلَيْسَ فِي تَأْخِيرِ الْأَئِمَّةِ الَّذِي وَصَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَهَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ إِنَّمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَهَا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَصِيرَ التَّرْكُ إِلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ مَا دُونَهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ إِلَّا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَهَابِ الْوَقْتِ.

⦗٩٣٤⦘

٩٩٧ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ إِنَّمَا تَرَكَ السُّجُودَ لِآدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِهِ خَيْرًا مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاسْتَكْبَرَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ فَقَالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١٢] . فَالنَّارُ أَقْوَى مِنَ الطِّينِ فَلَمْ يَشُكَّ إِبْلِيسُ فِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ وَلَا جَحَدَ السُّجُودَ فَصَارَ كَافِرًا بِتَرْكِهِ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِنْكَافُهُ أَنْ يَذِلَّ لِآدَمَ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ اسْتِنْكَافًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا جُحُودًا مِنْهُ لِأَمْرِهِ فَاقْتَاسَ قَوْمٌ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا. قَالُوا: تَارِكُ السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدِ افْتَرَضَهُ عَلَيْهِ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِوُجُوبِهِ أَعْظَمَ مَعْصِيَةٍ مِنْ إِبْلِيسَ فِي تَرْكِهِ السُّجُودَ لِآدَمَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ الصَّلَوَاتِ عَلَى عِبَادِهِ اخْتَصَّهَا لِنَفْسِهِ فَأَمَرَهُمْ بِالْخُضُوعِ لَهُمْ بِهَا دُونَ خَلْقِهِ، فَتَارِكُ الصَّلَاةِ أَعْظَمُ مَعْصِيَةً، وَاسْتِهَانَةً مِنْ إِبْلِيسَ حِينَ تَرَكَ السُّجُودَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَمَا وَقَعَتِ اسْتِهَانَةُ إِبْلِيسَ وَتَكَبُّرِهِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ مَوْقِعَ الْحُجَّةِ فَصَارَ بِذَلِكَ كَافِرًا، فَكَذَلِكَ تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ.

٩٩٨ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَقَدْ كُفِيَ أَهْلُ الْعِلْمِ مُؤْنَةَ الْقِيَاسِ فِي هَذَا عَنْ مَا سَنَّ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ جَعَلُوا حُكْمَ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا حُكْمَ الْكَافِرِ.

⦗٩٣٥⦘

٩٩٩ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَلَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا لَمْ يَكُنْ كَافِرًا حَتَّى يَمُوتَ عَلَى تَرْكِهَا فَحِينَئِذٍ تَبَيَّنَ كُفْرُهُ لِأَنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَسْجُدْ لِلَّهِ السَّجْدَةَ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ تَرْكِهِ إِيَّاهَا، فَكَذَلِكَ تَارِكُ الصَّلَاةِ إِذَا ثَبَتَ عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى يَمُوتَ.

١٠٠٠ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَهَذَا الْقَوْلُ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الطَّائِفَةِ الَّتِي رَأَتِ التَّرْكَ الْجَحْدَ، وَكَيْفَ يَتَرَبَّصُ بِشَيْءٍ يَكُونُ بِهِ كَافِرًا بَعْدَ زَمَانٍ وَلَا يَتَبَيَّنُ كُفْرُهُ إِلَّا بِمَوْتِهِ فَلَئِنْ كَانَ كَافِرًا بِتَرْكِهَا فَقَدْ كَفَرَ حِينَ تَرَكَهَا وَإِلَّا فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يُحَقِّقُ لِأَحَدٍ كُفْرًا وَلَا إِيمَانًا إِلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ.

١٠٠١ - قَالَ: وَيَلْزَمُ قَائِلُ هَذَا أَنْ قَادَ كَلَامَهُ قَوْلًا قَبِيحًا أَنْ يَقُولَ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَوْ سَجَدَ السَّجْدَةَ الَّتِي تَرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُؤْمِنًا مِنْ حِينِ تَرْكِ السُّجُودِ إِلَى أَنْ سَجَدَ وَنَدِمَ فَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلٍ.

١٠٠٢ - قَالَ إِسْحَاقُ: وَهَذَا إِنَّمَا احْتَجَّ كَنَحْوِ مَنْ رَأَى التَّرْكَ ⦗٩٣٦⦘ الْجُحُودَ فَاحْتَجَّ لِنَفْسِهِ أَنَّ إِبْلِيسَ تَرَكَ السُّجُودَ لِآدَمَ تَكَبُّرًا عَنِ السُّجُودِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّكَبُّرِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى رَدٌّ عَلَى اللَّهِ فَمَنْ تَكَبَّرَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَصَغَّرَ فَقَدْ جَحَدَهُ فَإِنَّمَا يُكَفَّرُ تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا إِذَا تَرَكَهَا عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى التَّصْغِيرِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّكَبُّرِ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ حَكَيْنَا مَقَالَةَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَكْفَرُوا تَارِكَ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا، وَحَكَيْنَا جُمْلَةَ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ خَالَفَتْهُمْ جَمَاعَةٌ أُخْرَى عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَأَبَوْا أَنْ يُكَفِّرُوا تَارِكَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا جُحُودًا، أَوْ إِبَاءً، وَاسْتِكْبَارًا، وَاسْتِنْكَافًا، وَمُعَانَدَةً فَحِينَئِذٍ يَكْفُرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَارِكُ الصَّلَاةِ كَتَارِكِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ عَنِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ، وَقَالُوا: الْأَخْبَارُ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ نَظِيرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِكْفَارِ بِسَائِرِ الذُّنُوبِ نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» . «

١٠٠٣ - وَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» .

⦗٩٣٧⦘

١٠٠٤ - وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ كَفَرَ» . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» . «وَالطِّيَرَةُ شِرْكٌ» . "

١٠٠٦ - وَمَا قَالَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ: كَافِرٌ إِلَّا بَاءَ بِهِ ⦗٩٣٨⦘ أَحَدُهُمَا " وَمِمَّا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ. قَالُوا: وَقَدْ وَافَقَنَا جَمَاعَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ بَعْضَ هَذِهِ الذُّنُوبِ لَا يَكُونُ كَافِرًا مُرْتَدًّا يَجِبُ اسْتِتَابَتِهِ وَقَتْلِهِ عَلَى الْكُفْرِ إِنْ لَمْ يَتُبْ، وَتَأَوَّلُوا لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ تَأْوِيلَاتٍ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلَاتِهَا. قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ الَّتِي جَاءَتْ فِي إِكْفَارِ تَارِكِ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا احْتَمَلَهُ سَائِرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاحْتَجُّوا مَعَ هَذَا لِتَرْكِهِمُ الْإِكْفَارَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بِأَخْبَارٍ اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا لَا يَكْفُرُ إِذَا لَمْ يَتْرُكُهَا إِبَاءً، وَلَا جُحُودًا، وَلَا اسْتِكْبَارًا

<<  <  ج: ص:  >  >>