١٠٧٨ - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنِ الْأَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ صَلَاةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيَهَا» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَوْلُ الْحَسَنِ هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا فَذَلِكَ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ فِي كُفْرِهِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِهَا فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا تَرَكَهَا حَتَّى ⦗١٠٠١⦘ يَذْهَبَ وَقْتُهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْمَعْصِيَةُ لِتَرْكِهِ الْفَرْضَ فِي الْوَقْتِ الْمَأْمُورِ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِيهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا أَتَى بِهِ فِي وَقْتٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِيهِ، فَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فِي النَّظَرِ لَوْلَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى خِلَافِهِ. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَالَ فِي النَّاسِي لِلصَّلَاةِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا وَفَى النَّائِمِ أَيْضًا: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ أَوْ ذَكَرَ» ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَقَضَاهَا بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي النَّظَرِ قَضَاؤُهَا أَيْضًا فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَبَطُلَ حَظُّ النَّظَرِ ⦗١٠٠٢⦘. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا اقْتِيَاسُهُمْ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَى تَرْكِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا الدَّلِيلَ عَلَى تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ وَمُبَايَنَتِهَا سَائِرَ الْأَعْمَالِ فِي الْفَضْلِ وَعِظَمِ الْقَدْرِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْفَرَائِضِ، وَمَنْ قَبِلَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَزَلْ مِفْتَاحَ شَرَائِعِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَقْدَهُ لَا تَزُولُ عَنْهُ أَبَدًا لَمْ تَزَلْ مَقْرُونَةً بِالْإِيمَانِ فِي دِينِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْخَلْقِ أَجْمَعِينَ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دِينٌ بِغَيْرِهَا قَطُّ، وَسَائِرُ الْفَرَائِضِ لَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ زَكَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا حَجٌّ، وَالصَّلَاةُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ، وَلَا يُزَايِلُ التَّوْحِيدَ فَهِيَ أَعَمُّ الشَّرَائِعِ فَرْضًا بِهَا يَفْتَتِحُ اللَّهُ ذِكْرَهَا وَبِهَا يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَامَ الْإِيمَانِ أَيْنَمَا ذَكَرَهَا وَهِيَ أَخَصُّ الْفَرَائِضِ لُزُومًا لِلدَّاخِلِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَشْهَرِهَا مَنَارًا لِلدِّينِ، وَمَعْلَمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يَغْزُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ ⦗١٠٠٣⦘ وَكَذَلِكَ كَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفْعَلُ فَهِيَ أَشْهَرُ مَعَالِمِ التَّوْحِيدِ مَنَارًا بَيْنَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَمِلَّةِ الْكُفْرِ، لَنْ يَسْتَحِقَّ دِينَ الْإِسْلَامِ وَمُشَارَكَةَ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَمُبَايَنَةَ مِلَّةِ الْكُفْرِ إِلَّا بِإِقَامَتِهَا، فَإِنْ تَرَكَتْهَا الْعَامَّةُ انْطَمَسَ مَنَارُ الدِّينِ كُلِّهِ فَلَا يَبْقَى لِلدِّينِ رَسْمٌ وَلَا عَلَمٌ يُعْرَفُ بِهِ، فَلَيْسَ تَعْطِيلُ مَا لَوْ تَرَكَتْهُ الْعَامَّةُ شَمِلَهُمْ تَعْطِيلُ الدِّينِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ رَسْمٌ كَتَرْكِ مَا لَا يَشْمَلُ الْعَامَّةَ فَالصَّلَاةُ شَامِلَةٌ لَهُمْ يَجْمَعُهُمْ إِقَامَتُهَا عَلَى مُبَايَنَةِ مِلَّةِ الْكُفْرِ شَهَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهَا بِالنِّدَاءِ إِلَيْهَا وَالتَّجَمُّعِ فِيهَا عَلَى إِقَامَتِهَا، وَجَعَلَهَا الشَّرْعُ فِي الْمِلَّةِ فَمَنْ تَخَلَّى مِنْهَا فَمَا حَظُّهُ فِي الْإِسْلَامِ بِلَا مِصْدَاقٍ وَلَا عِلْمٍ تُحَقِّقُهُ بِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا دِينَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ. وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» ⦗١٠٠٤⦘. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدْ تَلَوْنَاهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَدْرِ كِتَابِنَا مِنْ إِيعَادِهِ مُضَيِّعَ الصَّلَاةِ وَتَارِكِهَا الْوَعِيدَ الْغَلِيظَ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ بِمُضَيِّعِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: ٥٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute