٢٠ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا عَمِّي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ " كَانَ لِدَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِحْرَابٌ يَتَوَحَّدُ فِيهِ لِتِلَاوَةِ الزَّبُورِ وَلِصَلَاتِهِ إِذَا صَلَّى، وَلَمْ يَكُنْ يُعْطِي اللَّهُ فِيمَا يَذْكُرُونَ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا مِثْلَ صَوْتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ فِيمَا يَذْكُرُونَ تَرَايَا لَهُ الْوَحْشُ حَتَّى يُؤْخَذَ بِأَعْنَاقِهَا، وَأَنَّهَا لَمُصْغِيَةٌ تَسْتَمِعُ صَوْتَهُ، وَمَا صَنَعَتِ الشَّيَاطِينُ الْمَزَامِيرَ وَالْبَرَابِطَ وَالصُّنُوجَ إِلَّا عَلَى أَصْنَافِ صَوْتِهِ، وَكَانَ أَسْفَلَ مِنْهُ جُنَيْنَةٌ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَصَابَ دَاوُدُ فِيهَا مَا أَصَابَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ دَاوُدَ حِينَ دَخَلَ مِحْرَابَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدٌ حَتَّى اللَّيْلِ، فَلَا يَشْغَلُنِي شَيْءٌ خَلَوْتُ لَهُ حَتَّى أُمْسِيَ، فَدَخَلَ مِحْرَابَهُ وَنَشَرَ زَبُورَهُ ⦗١٠٧⦘ يَقْرَأُ وَفِي الْمِحْرَابِ كُوَّةٌ تُطْلِعُهُ عَلَى تِلْكَ الْجُنَيْنَةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ زَبُورَهُ إِذْ أَقْبَلَتْ حَمَامَةٌ مِنْ ذَهَبٍ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْكُوَّةِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَرَآهَا، فَأَعْجَبَتْهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَ: لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَمَّا دَخَلَ لَهُ فَنَكَّسَ رَأْسَهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى زَبُورِهِ، فَتَصَوَّبَتِ الْحَمَامَةُ لِلْبَلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ مِنَ الْكُوَّةِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَأَتْبَعَهَا بِبَصَرِهِ أَيْنَ تَقَعُ، فَنَهَضَ إِلَى الْكُوَّةِ لِتَنَاوُلِهَا مِنَ الْكُوَّةِ، فَتَصَوَّبَتْ إِلَى الْجُنَيْنَةِ فَأَتْبَعَهَا بَصَرَهُ أَيْنَ يَقَعُ، فإِذَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ تَغْتَسِلُ بِهَيْئَةٍ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا فِي الْجَمَالِ وَالْحُسْنِ وَالْخَلْقِ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا لَمَّا رَأَتْهُ نَقَضَتْ رَأْسَهَا فَوَارَتْ بِهِ جَسَدَهَا مِنْهُ فَاخْتَطَفَتْ قَلْبَهُ، فَرَجَعَ إِلَى زَبُورِهِ وَمَجْلِسِهِ وَهِيَ مِنْ شَأْنِهِ لَا يُفَارِقُ قَلْبَهُ ذِكْرُهَا، وَتَمَادَى بِهِ الْبَلَاءُ حَتَّى أَغْزَى زَوْجَهَا أُورَيَا ثُمَّ أَمَرَ صَاحِبَ جَيْشِهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ إِلَى الْمَهَالِكِ حَتَّى أَصَابَهُ مَا أَرَادَ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ، وَلِدَاوُدَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، فَلَمَّا أُصِيبَ صَاحِبُهَا خَطَبَهَا دَاوُدُ فَنَكَحَهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ مَلَكَيْنِ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ، مِثْلًا ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ، فَلَمْ يُرَعْ بِهِمَا إِلَّا وَاقِفَيْنِ عَلَى رَأْسِهِ فِي مِحْرَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَدْخَلَكُمَا عَلَيَّ؟ فَقَالَا: {لَا تَخَفْ} [الذاريات: ٢٨] لَمْ نَدْخُلْ لِبَأْسٍ وَلَا لِرِيبَةٍ {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: ٢٢] فَجِئْنَاكَ لِتَقْضِيَ بَيْنَنَا {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص: ٢٢]
⦗١٠٨⦘ فَقَالَ: تَكَلَّمَا، فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي يُكَلِّمُ عَنْ أُورَيَا زَوْجِ الْمَرْأَةِ: {إِنَّ هَذَا أَخِي} [ص: ٢٣] عَلَى دِينِي {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} [ص: ٢٣] أَيِ احْمِلْنِي عَلَيْهَا ثُمَّ {عَزَّنِي فِي الْخَطَّابِ} [ص: ٢٣] أَيْ قَهَرَنِي فِي الْخَطَّابِ، وَكَانَ أَقْوَى مِنِّي وَأَعَزَّ، فَحَازَ نَعْجَتِي إِلَى نِعَاجِهِ، وَتَرَكَنِي لَا شَيْءَ لِي، فَنَظَرَ دَاوُدُ إِلَى خَصْمِهِ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ صَدَقَنِي لَأَفْعَلَنَّ بِكَ، ثُمَّ ارْعَوَى دَاوُدُ فَعَرَفَ أَنَّهُ الَّذِي يُرَادُ بِمَا صَنَعَ فِي امْرَأَةِ أُورَيَا، فَوَقَعَ سَاجِدًا تَائِبًا مُنِيبًا بَاكِيًا، فَسَجَدَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، مَا يَأْكُلُ وَمَا يَشْرَبُ، حَتَّى أَنْبَتَتْ دَمْعُهُ الْخُضَرَ تَحْتَ وَجْهِهِ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ مِنْهُ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا غَفَرْتَ لِي مَا جَنَيْتُ فِي شَأْنِ الْمَرْأَةِ، فَكَيْفَ بِدَمِ الْقَتِيلِ الْمَظْلُومِ؟ فَقِيلَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: يَا دَاوُدُ أَمَا إِنَّ رَبَّكَ لَنْ يَظْلِمَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ سَيَسْأَلَهُ إِيَّاهُ فَيُعْطِيَهُ، فَيَضَعَهُ عَنْكَ، فَلَمَّا فُرِّجَ عَنْ دَاوُدَ مَا كَانَ فِيهِ وَشَمَ خَطِيئَتَهُ فِي كَفِّهِ الْيُمْنَى فِي بَاطِنِ رَاحَتِهِ، فَمَا رَفَعَ إِلَى فِيهِ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا بَكَى إِذَا رَآهَا، وَمَا قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاسِ قَطُّ إِلَّا نَشَرَ كَفَّهُ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ لِيَرَوْا وَشْمَ خَطِيئَتِهِ فِي يَدِهِ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute