٦٠٧ - وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] قَالَ: «اسْتَسْلَمْنَا خَوْفَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ» ⦗٥٥٥⦘. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَإِذَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: {أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] يُرِيدُ الْإِسْلَامَ الَّذِي اصْطَفَاهُ وَارْتَضَاهُ الَّذِي هُوَ خُضُوعٌ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ تَصْدِيقًا بِهِ، وَإِخْلَاصًا لَهُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ: «أَوَمُسْلِمٌ؟» إِنَّمَا يُرِيدُ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ اسْتِسْلَامٌ مِنْ مَخَافَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ إِسْلَامُ الْمُنَافِقِينَ وَلَيْسَ بِإِسْلَامِ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ كَانَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ: {أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] طَاعَةً لِلَّهِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُخْبِرْنَا عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا: {أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] بَعْدَ أَنْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ: {قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] وَلَوْ قَالُوا: غَيْرُ مُخْلِصِينَ لَهُ وَلَا مُؤْمِنِينَ بِهِ لَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ لِأَنَّ الطَّاعَةَ لَا تَكُونُ طَاعَةً إِلَّا بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِالطَّاعَةِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَقَدْ قَالُوا: آمَنَّا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ طَاعَةً لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا آمَنُوا، وَالْقَوْلُ لَا يَكُونُ طَاعَةً وَلَا إِيمَانًا وَلَا إِسْلَامًا إِلَّا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٨] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا ⦗٥٥٦⦘ أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} فَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ مُسْلِمُونَ قَدْ آمَنُوا بِاللَّهِ بِقُلُوبِهِمْ وَأَسْلَمُوا لَهُ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ إِيمَانِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَمْرَ تَعَبُّدٍ، تَعَبَّدَهُمْ بِهِ فَكَانَتْ تِلْكَ الْعِبَادَةُ مِنْهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ، أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ أَمَرَهُمْ فِي آخِرِ مَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: ٤٦] لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْمُخْلَصَ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ، وَلَمْ يَقُلْ لِأُولَئِكَ الْأَعْرَابِ: قُولُوا: أَسْلَمْنَا لِلَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا أَسْلَمُوا لِلنَّاسِ، فَكَانُوا مُنَافِقِينَ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَلَا مُسْلِمِينَ لَهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: لَيْسَ قَوْلُهُ لِهَؤُلَاءِ: {قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] أَمْرَ تَعَبُّدٍ يَكُونُوا مُطِيعِينَ بِهِ لَوْ قَالُوهُ، إِنَّمَا هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute