جِبْرِيلُ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ لَكَانَ فِي كَوْنِ اللَّهِ مَعَهُ كِفَايَةٌ وَقَدْ كَانَ بِاللَّهِ وَاثِقًا عَلَيْهِ مُتَوَكِّلًا وَلَكِنَّهَا حَالَاتٌ يَخُصُّ اللَّهُ عِبَادَهُ الْعَارِفِينَ بِمَا يَشَاءُ مِنْ تَأْيِيدِهِ، وَلَقَدْ كَانَ بَايَنَ قَوْمَهُ غَضَبًا لِلَّهِ أَنْ يَعْصِيَ، وَيُخَالِفَ أَمْرَهُ تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ حَكَى اللَّهُ عَنْ نُوحٍ وَهُودٍ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ تَوَكُّلِهِمَا وَقُوَّتِهِمَا، وَحَكَى عَنْ نُوحٍ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَعَنْ هُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ وَهُمْ يُرِيدُونَهُ قَدْ بَايَنُوهُ بِالْعَدَاوَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ} [هود: ٥٥] ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِهَوَانِهِمْ عَلَيْهِ، كَمَا فَعَلَهُ نُوحٌ فَقَالَ: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} [هود: ٥٥] أَيْ أَعْجَلُوا عَلَيَّ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِمْ، وَهَوْنِ شَأْنِهِمْ عِنْدَهُ حَتَّى سَأَلَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا لَهُ، وَلَا يُنْظِرُوهُ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمُخَاطَبَاتِهِمْ إِذَا هَانَ الْقَوْمُ عَلَى الْقَوْمِ قَالُوا لَهُمُ: اجْتَمِعُوا وَاجْتَهِدُوا وَلَا تُخْزُوا مَا تُرِيدُونَ، فَأَخْبَرَهُمْ مَا الَّذِي شَجَّعَ قَلْبَهُ، وَهَوَّنَ عَلَيْهِ كَيْدَهُمْ، فَقَالَ عَلَى إِثْرِ قَوْلِهِ هَذَا: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: ٥٦] ثُمَّ أَخْبَرَ بِالَّذِي أَوْرَثَ قَلْبَهُ التَّوَكُّلَ وَثَبَّتَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: ٥٦] فَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ شَجَّعَ قَلْبَهُ قُوَّةُ بَدَنِهِ، وَلَا نَاصِرٌ مِنَ الْخَلْقِ يَرْجُو نَصَرَهُ، وَلَكِنْ تَوَكُّلًا عَلَى رَبِّهِ، وَأَنَّ الَّذِي بَعَثَهُ عَلَى التَّوَكُّلِ مَعْرِفَتَهُ بِرَبِّهِ، وَأَنَّ النَّوَاصِيَ كُلَّهَا بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute