٦٩٧ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ سَيْفٍ، ثنا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ، ثنا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَهُ أَنَّ الْحُسَيْنَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ مُؤْمِنٌ» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رَحِمَ اللَّهُ الْحُسَيْنَ سَمِعَ، وَلَيْسَ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ⦗٦٤٣⦘: «لَا يَزْنِيَنَّ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقَنَّ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ مُؤْمِنٌ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ شَبِيهًا بِمَذْهَبِ الْفِرْقَةِ الْأُولَى، إِنَّمَا هُوَ إِنْكَارٌ لِلْخَبَرِ، وَتَكْذِيبٌ بِهِ، وَالْخَبَرُ إِذَا ثَبَتَ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ لَمْ يَبْطُلْ بِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَهَذَا خَبَرٌ قَدِ اشْتَهَرَ، وَاسْتَفَاضَ بِرِوَايَةِ الْعُدُولِ وَالْحُفَّاظِ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ جَمِيعًا بِأَلْفَاظٍ مُفَسِّرَةٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ لِأَنَّ الْخَبَرَ مَعْقُولٌ، وَالنَّهْيَ مَعْقُولٌ وَأَنْتَ إِذَا قَرَأْتَ الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي هَذَا الْبَابِ فَهِمْتَهَا وَعَلِمْتَ أَنَّهَا خَبَرٌ وَلَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ، وَهَكَذَا كَمَا رَوَوْا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَوْلُهُمْ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ كُلُّ سُكْرٍ حَرَامٌ، فَزَادَ النَّاسُ مِيمًا. وَهَذِهِ زَلَّةٌ مِنْهُمْ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْأَخْبَارِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قَدِ اسْتَفَاضَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ الَّتِي رَوَتْهَا الثِّقَاتُ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ اتِّهَامُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُفَسِّرَةٍ مُبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ ⦗٦٤٤⦘ حَرَامٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» ، «وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» ، «وَمَا أَسْكَرَ الْفَرْقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» وَفِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ مِنَ الْمُرْجِئَةِ كَانَتْ أَشَدَّ اتِّسَاعًا فِي مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ فَلَمْ يُمْكِنْهَا جُحُودُ الْأَخْبَارِ وَإِنْكَارُهَا لِعِلْمِهَا بِاسْتِفَاضَتِهَا وَشُهْرَتِهَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَأَقَرَّتْ بِهَا وَتَأَوَّلَتْهَا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا فَادَّعَتْ أَنَّ قَوْلَهُ: «لَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» إِنَّمَا هُوَ أَنْ يَزْنِيَ مُسْتَحِلًّا لِلزِّنَا غَيْرَ مُقِرٍّ بِتَحْرِيمِهِ، فَأَمَّا مَنْ زَنَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الزِّنَا عَلَيْهِ حَرَامٌ وَيُقِرُّ بِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ لَيْسَ يُنْقِصُ زِنَاهُ وَلَا سَرِقَتُهُ مِنْ إِيمَانِهِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَإِنْ مَاتَ مُضَيِّعًا لِلْفَرَائِضِ مُرْتَكِبًا لِلْكَبَائِرِ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَا يَجْحَدَهَا لَقِيَ اللَّهَ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَنَدُلُّ عَلَى إِفْسَادِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَاسْتِحَالَتِهِ فِيمَا بَعْدُ فِي بَابِ الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ⦗٦٤٥⦘ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَغَلَتِ الْخَوَارِجُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالرَّافِضَةُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَكَفَرَتْ بِهَا الْمُرْجِئَةُ شَكًّا مِنْهُمْ فِي قَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ لِمَنْ رَوَاهَا مِنَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ اتِّهَامُهُمْ وَلَا الطَّعْنُ عَلَيْهِمْ، جَعْلًا مِنْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَهَكَذَا عَامَّةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ إِنَّمَا هُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ غُلُوًّا فِي دِينِ اللَّهِ وَشِدَّةَ ذَهَابٍ فِيهِ حَتَّى يَمْرُقُوا مِنْهُ بِمُجَاوَزَتِهِمُ الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ إِحْفَاءً وَجُحُودًا بِهِ حَتَّى يُقَصِّرُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ الَّتِي حَدَّهَا، وَدِينُ اللَّهِ مَوْضُوعٌ فَوْقَ التَّقْصِيرِ، وَدُونَ الْغُلُوِّ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ الْمُذْنِبُ خَائِفًا لِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الْعِقَابِ عَلَى الْمَعَاصِي رَاجِيًا لِمَا وَعَدَ، يَخَافُ أَنْ يَكُونَ الْمَعَاصِي الَّتِي ارْتَكَبَهَا قَدْ أَحْبَطَتْ أَعْمَالَهُ الْحَسَنَةَ فَلَا يَتَقَبَّلُهَا اللَّهُ مِنْهُ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ مِنْ مَعَاصِيهِ، وَنَرْجُو أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِطَوْلِهِ فَيَعْفُوَ لَهُ عَمَّا أَتَى بِهِ مِنْ سَيِّئَةٍ، وَيَتَقَبَّلَ مِنْهُ حَسَنَاتِهِ الَّتِي تَقَرَّبَ بِهَا إِلَيْهِ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ فَلَا يَزَالُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ بَيْنَ رَجَاءٍ وَخَوْفٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute