٧٦٨ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: " مِنَ الْيَقِينِ يَقِينٌ تَجِدُهُ شَدِيدًا صَلْبًا لَا يُغَيِّرُهُ شَيْءٌ وَلَا يَشْرَكُهُ الشَّيْطَانُ، وَمِنَ الْيَقِينِ يَقِينٌ تَجِدُ فِيهِ ضَعْفًا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ جَامَعَتْنَا فِي هَذَا الْمُرْجِئَةُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا فِرْقَةً مِنَ الْجَهْمِيَّةِ كَفَرَتْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْمُرْجِئَةِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ فَقَطْ بَعْدَ شَهَادَةِ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِ مَنْ سَمَّاهُمْ كَافِرِينَ بِأَنَّهُمْ عَارِفُونَ فَضَادُّوا خَبَرَ اللَّهِ، وَسَمَّوُا الْجَاحِدَ بِلِسَانِهِ الْعَارِفَ بِقَلْبِهِ مُؤْمِنًا، وَأَقَرَّتِ الْمُرْجِئَةُ إِلَّا هَذِهِ الْفِرْقَةَ أَنَّ الْإِقْرَارَ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَقَدْ تَتَابَعَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمَّى الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ إِسْلَامًا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩] فَجَعَلَ شَهَادَتَهُمْ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: {أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: ١٣١] وَقَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢]
⦗٧٠١⦘ يَعْنِي مُخْلِصِينَ لِلَّهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ خُضُوعًا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَلَا يَمْتَنِعُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ أَنْ يَقُولُوا لِلْكَافِرِ إِذَا أَقَرَّ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ وَقَبْلَ أَنْ يَصُومَ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ بُدُوُّ إِسْلَامِهِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَلَا تَدَافُعَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنْ يُسَمُّوا كُلَّ مَنْ شَهِدَ بِذَلِكَ مُسْلِمًا فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ فَلمَا أَقَرَّتِ الْمُرْجِئَةُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ هُوَ إِيمَانٌ يَكْمُلُ بِهِ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا وَالرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْإِسْلَامِ ثَبَتَ أَنَّ جَمِيعَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْإِيمَانِ، فَإِنْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ مِنَ الْإِيمَانِ فَالْإِقْرَارُ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الْإِسْلَامِ لَيْسَ مِنَ الْإِيمَانِ فَبِإِيجَابِهِمْ أَنَّ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِجَارِحَةِ اللِّسَانِ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا كُلَّمَا بَقَى مِنَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْإِيمَانِ بَعْدَ مَا سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالرَّسُولُ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ إِيمَانًا، ثُمَّ شَهِدَتِ الْمُرْجِئَةُ أَنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا هُوَ إِيمَانٌ فَمَا بَالُ سَائِرِ الْإِسْلَامِ ⦗٧٠٢⦘ لَا يَكُونُ مِنَ الْإِيمَانِ فَهُوَ فِي الْأَخْبَارِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَفِي اللُّغَةِ وَالْمَعْقُولِ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ خُضُوعٌ بِالْإِخْلَاصِ إِلَّا أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَفَرْعًا، فَأَصْلُهُ الْإِقْرَارُ بِالْقَلْبِ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَالْخُضُوعُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ خُضُوعُ اللِّسَانِ بِالْإِقْرَارِ بِالْإِلَهِيَّةِ بِالْإِخْلَاصِ لَهُ مِنَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ أَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، ثُمَّ فُرُوعُ هَذَيْنِ الْخُضُوعُ لَهُ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ» وَمَا عَدَا مِنَ الْفَرَائِضِ فَلِمَ جَعَلَتِ الْمُرْجِئَةُ الشَّهَادَةَ إِيمَانًا وَلَمْ تَجْعَلْ جَمِيعَ مَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا إِيمَانًا؟، وَكَيْفَ جَعَلَتْ بَعْضَ مَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا إِيمَانًا، وَلَمْ تَجْعَلْ جَمِيعَهُ إِيمَانًا، وَتَبْدَأُ بِأَصْلِهِ وَتُتْبِعُهُ بِفُرُوعِهِ، وَتَجْعَلُهُ كُلُّهُ إِيمَانًا؟ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: زَعَمَ بَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ لَزِمَنَا أَنْ نُكَفِّرَ الْعَاصِي عِنْدَ أَوَّلِ مَعْصِيَةٍ يَفْعَلُهَا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ إِنَّمَا يُسَمَّى إِيمَانًا لِاجْتِمَاعِ مَعَانِي، فَمَتَى مَا نَقَصَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ زَالَ عَنْهُ الِاسْمُ، وَضَرَبُوا لِذَلِكَ مَثَلًا، فَقَالُوا: وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ قَوْلِ الْقَائِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَإِذَا نَقَصَ ⦗٧٠٣⦘ دَانِقٌ لَمْ تُسَمَّ عَشْرَةً إِلَّا عَلَى النُّقْصَانِ فَإِنْ نَقَصَ دِرْهَمٌ لَمْ تُسَمَّ عَشَرَةً أَبَدًا. فَقِيلَ لَهُمْ إِنَّكُمْ ضَرَبْتُمُ الْمَثَلَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَقَدْ غَلَطْتُمْ عَلَيْنَا، وَلَمْ تَفْهَمُوا مَعْنَانَا، وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ إِنَّ الْإِيمَانَ أَصْلٌ مَنْ نَقَصَ مِنْهُ مِثَالُ ذَرَّةٍ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، وَلَكِنَّهُ يَزْدَادُ بَعْدَهُ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِهِ، فَإِنْ نَقَصَتِ الزِّيَادَةُ الَّتِي بَعْدَ الْأَصْلِ لَمْ يَنْقُصِ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ إِقْرَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَمَا قَالَهُ صِدْقٌ لِأَنَّ النَّقْصَ مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ فِي اللَّهِ أَحَقٌّ هُوَ أَمْ لَا، وَفِي قَوْلِهِ أَصِدْقٌ هُوَ أَمْ كَذِبٌ؟ وَنَقْصٌ مِنْ فُرُوعِهِ وَذَلِكَ كَنَخْلَةٍ قَائِمَةٍ ذَاتِ أَغْصَانٍ وَوَرَقٍ فَكُلَّمَا قُطِعَ مِنْهَا غُصْنٌ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا اسْمُ الشَّجَرَةِ وَكَانَتْ دُونَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ اسْمُهَا إِلَّا أَنَّهَا شَجَرَةٌ نَاقِصَةٌ مِنْ أَغْصَانِهَا وَغَيْرِهَا مِنَ النَّخْلِ مِنْ أَشْكَالِهَا أَكْمَلُ مِنْهَا لِتَمَامِهَا بِسَعَفِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: ٢٤] الْآيَةَ، فَجَعَلَهَا مَثَلًا لَكَلِمَةِ الْإِيمَانِ، وَجَعَلَ لَهَا أَصْلًا وَفَرْعًا وَثَمَرًا تُؤْتِيهِ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْمَثَلِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَقَعُوا فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ ابْنُ عُمَرَ ⦗٧٠٤⦘: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ النَّخْلَةُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute