٧٧٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: «أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ» فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَذْكُرُونَ شَجَرًا مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا فَأَرَى أَسْنَانَ الْقَوْمِ فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَلَمَّا سَكَتُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: ثُمَّ فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُنَّتِهِ الْإِيمَانَ إِذْ فُهِمَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَهُ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ ذُو شُعَبٍ أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ أَصْلَهُ الْإِقْرَارَ ⦗٧٠٧⦘ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَجَعَلَ شُعْبَةَ الْإِيمَانِ ثُمَّ جَعَلَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ الْأَعْمَالَ شُعَبًا مِنَ الْإِيمَانِ فَاسْتَعْجَمَ عَلَى الْمُرْجِئِ الْفَهْمُ فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِخِلَافِ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ وَالرَّسُولُ، وَقَالَ: «مِثْلَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ» لِيُبْطِلَ سُنَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجْعَلُ قَوْلَهُ هُوَ الْحَقُّ بِخِلَافِ الْآثَارِ، لِأَنَّ الَّذِي سَمَّى الْإِيمَانَ التَّصْدِيقَ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ ذُو شُعَبٍ فَمَنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَعْمَالَ شُعَبًا كَمَا جَعَلَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَ بِهِ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ صِفَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْإِيمَانِ فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِهَا، وَيَكْفُرُ بِبَعْضِهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ جِبْرِيلُ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ» إِلَى آخِرِ الْقَوْلِ، ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: «آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ» ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَبَدَأَ بِأَصْلِهِ، وَالشَّاهِدُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ هُوَ الْمُصَدِّقُ الْمُقِرُّ بِقَلْبِهِ يَشْهَدُ بِهَا لِلَّهِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، يَبْتَدِئُ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ، ثُمَّ يُثَنِّي بِالشَّهَادَةِ بِلِسَانِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِهِ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَرْجِعُ بِهَا إِلَى الْقَلْبِ مُخْلِصًا يَعْنِي مُخْلِصًا بِالشَّهَادَةِ قَلْبُهُ لَيْسَ كَمَا شَهِدَتِ الْمُنَافِقُونَ إِذْ: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] قَالَ اللَّهُ: {وَاللَّهُ ⦗٧٠٨⦘ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] ، فَلَمْ يُكَذِّبْ قُلُوبَهُمْ أَنَّهُ حَقٌّ فِي عَيْنِهِ، وَلَكِنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ، فَقَالَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: ١] أَيْ كَمَا قَالُوا، ثُمَّ قَالَ: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] فَكَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ بَاطِلًا وَلَا كَذِبًا، وَكَذَلِكَ حِينَ أَجَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ بِقَوْلِهِ: «الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» لَمْ يُرِدْ شَهَادَةً بِاللِّسَانِ كَشَهَادَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَلَكِنْ أَرَادَ شَهَادَةً بَدْؤُهَا مِنَ الْقَلْبِ بِالتَّصْدِيقِ بِاللَّهِ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ. وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُنْقِصُ قَوْلَهُ: «تُؤْمِنُ بِاللَّهِ» لِأَنَّهُ بَدَأَهُ بِأَوَّلِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ثُمَّ تُقِرَّ بِقَلْبِكَ، وَلِسَانِكَ فَتَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ، فَابْتَدَأَ الْإِسْلَامَ بِالشَّهَادَةِ، وَالْإِيمَانَ بِالتَّصْدِيقِ، وَهُمْ مُجَامِعُونَا أَنَّهُمَا جَمِيعًا إِيمَانٌ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ الَّتِي جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ الَّذِي سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا، فَهُمْ يَجْعَلُونَهُمَا جَمِيعًا إِيمَانًا فَمَا بَالُ مَا بَقِيَ لِمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا لَا يَكُونُ إِيمَانًا كَيْفَ نَقَصُوهُ فَأَضَافُوا بَعْضَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَنَفَوْا بَاقِيهِ عَنِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا كُلَّهُ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: «أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ» يُنَبِّئُهُمْ ⦗٧٠٩⦘ لِلْفَهْمِ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا مِنَ الْإِيمَانِ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً» فَالْعَجَبُ لِمَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ مِنْهُمْ أَوْ سَمِعَ الْآثَارَ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا كَيْفَ يَسْمَعُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْإِيمَانَ بِصِفَاتٍ ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَهَا فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ وَيَجْحَدُ بَعْضًا، وَلَيْسَتِ التَّفْرِقَةُ بِالَّذِي يُزِيلُ الِاسْمَ لَأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ وَالرَّسُولَ يُفَرِّقَانِ الصِّفَةَ فِي أَشْيَاءَ، وَيُوجِبَانِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَجْمَعُوهَا لِمَنْ سَمَّى بِهَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد: ١٩] وَلَمْ يَذْكُرْ عَمَلًا. وَقَالَ: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: ٢١] وَلَمْ يَذْكُرْ عَمَلًا. وَقَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ} [الأنفال: ٤] فَذَكَرَ الْوَجَلَ، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ، وَالْإِيمَانَ لِلَّهِ، وَالْإِنْفَاقَ لِلَّهِ، وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، وَأَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ بِذَلِكَ ⦗٧١٠⦘. وَقَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: ١٠] فَأَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْوَجَلَ، وَالتَّوَكُّلَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ الَّتِي فِي الْأَنْفَالِ كُلَّ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ. وَقَالَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: ٤٧] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} [الإسراء: ٩] فَعَمَّ الْأَعْمَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} [فاطر: ٣٦] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: ١٦٧] وَقَالَ: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٦] وَقَالَ: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ⦗٧١١⦘ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ وَإِنَّ لَمْ يُصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: ٤٢] فَالْكَافِرُ فِي النَّارِ وَيَزْدَادُ عَذَابًا بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ فَهَذِهِ صِفَاتُ أَهْلِ النَّارِ وَأَعْمَالُهُمْ، وَتِلْكَ صِفَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ، فَكَذَلِكَ وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ بِصِفَاتٍ فَكُلُّهَا صِفَاتُ الْإِيمَانِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا أَوْ قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ بِأَعْمَالٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْجَنَّةَ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَّقَهَا فَيَرْجِعْ إِلَى الْأَصْلِ يَشْهَدُ أَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِاللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ كُلِّهَا فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ فَيَشْهَدُ بِالْأَصْلِ وَيَدَعُ الْفُرُوعَ لَكَانَ رَادًّا عَلَى اللَّهِ قَائِلًا بِغَيْرِ الْحَقِّ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَصْلِ وَأَلْقَى الْفُرُوعَ. فَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْقَى سَائِرَهُ فَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّهُ إِيمَانٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمَّى الْإِيمَانَ بِالْأَصْلِ وَبِالْفُرُوعِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَالْأَعْمَالُ فَسَمَّاهُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ بِالتَّصْدِيقِ، وَسَمَّى الشَّهَادَةَ، وَالْقِيَامَ بِمَا أَسْمَى مِنَ الْفَرَائِضِ إِسْلَامًا وَسَمَّى ⦗٧١٢⦘ فِيمَا قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ الشَّهَادَةَ وَمَا سَمَّى مَعَهَا مِنَ الْفَرَائِضِ إِيمَانًا ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَجَعَلَ أَصْلَ الْإِيمَانِ الشَّهَادَةَ، وَسَائِرَ الْأَعْمَالِ شُعَبًا ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَكْمُلُ بَعْدَ أَصْلِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» فِي الْإِيمَانِ كَأَحْسَنِهِمْ خُلُقًا فَإِنَّهُ مُسَاوِيَةٌ فِي الْكَمَالِ فَقَدْ عَانَدَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَلَّبَ مَا شَهِدَ بِهِ بِأَحْسَنِ الْمُؤْمِنِينَ خُلُقًا فَجَعَلَهُ لِأَسْوَئِهِمْ خُلُقًا لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَقُولُ: «أَخْرِجُوا مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ، مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِثْقَالَ شَعِيرَةٍ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِثْقَالَ خَرْدَلَةٍ» . فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ مُسْتَوِيًا فِي الْوَزْنِ فَقَدْ عَارَضَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّدِّ وَمَنْ قَالَ: الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا مُسْلِمٍ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ إِذْ يَقُولُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ مُؤْمِنَةٌ» فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَقَدْ جَزَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ أَقَلَّهُمْ إِيمَانًا قَدْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ⦗٧١٣⦘، فَثَبَتَ لَهُ بِذَلِكَ اسْمُ الْإِيمَانِ، فَإِذَا كَانَ أَقَلُّهُمْ إِيمَانًا يَسْتَحِقُّ الِاسْمَ، وَالْآخَرُونَ أَكْثَرُ مِنْهُ إِيمَانًا دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَفَرْعًا يَسْتَحِقُّ اسْمُهُ مَنْ يَأْتِي بِأَصْلِهِ وَيَتَأَوَّلُونَ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ أَصْلِهِ فَتَرَكُوا أَنْ يَضْرِبُوا النَّخْلَةَ مَثَلًا لِلْإِيمَانِ مَثَلًا كَمَا ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَجْعَلُ الْإِيمَانَ لَهُ شُعَبًا كَمَا جَعَلَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْهَدُوا بِالْأَصْلِ وَبِالْفُرُوعِ وَيَشْهَدُوا بِالزِّيَادَةِ إِذَا أَتَى بِالْأَعْمَالِ، كَمَا أَنَّ النَّخْلَةَ فُرُوعَهَا وَشُعَبَهَا أَكْمَلُ لَهَا وَهِيَ مُزْدَادَةٌ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الْأَصْلُ شُعَبًا وَفَرْعًا، فَقَدْ كَانَ يَحِقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْزِلُوا الْمُؤْمِنَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَيَشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ إِذْ أَتَى بِالْإِقْرَارِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَيَشْهَدُوا لَهُ بِالزِّيَادَةِ كُلَّمَا ازْدَادَ عَمَلًا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي سَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُعَبًا لِلْإِيمَانِ، وَكَانَ كُلَّمَا ضَيَّعَ مِنْهَا شُعْبَةً عَلِمُوا أَنَّهُ مِنَ الْكَمَالِ أَنْقُصُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ قَامَ بِهَا فَلَا يُزِيلُوا عَنْهُ اسْمَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَزُولَ الْأَصْلُ، وَلَيْسَتِ الْعَشَرَةُ مِثْلَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ إِلَّا كَالْفَرْعِ: الْعَاشِرُ دِرْهَمٌ، وَالْأَوَّلُ دِرْهَمٌ فَإِنَّمَا مَثَلُ أَصْلِهَا مَثَلُ الْفِضَّةِ، وَالْفِضَّةُ كَمَثَلِ التَّصْدِيقِ فَلَوْ كَانَتْ نَقْرَةٌ فِيهَا عَشْرَةٌ ثُمَّ نَقَصَتْ حَبَّةٌ لَسُمِّيَتْ فِضَّةً لِأَنَّ الْفِضَّةَ جَامِعٌ لِاسْمِهَا، قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ لِأَنَّهَا أَصْلٌ قَائِمٌ أَبَدًا مَا دَامَ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَيْسَتِ ⦗٧١٤⦘ الْعَشَرَةُ كَذَلِكَ لَيْسَ أَوَّلُهَا بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لَهَا مِنْ آخِرِهَا لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مُتَفَرِّقَةٌ فَكَمَا بُدِئَ بِالدِّرْهَمِ الْأَوَّلِ بِالْعَدَدِ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْعَاشِرُ فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَحَقَّ بِأَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِبَعْضٍ مِنَ الْآخَرِ إِنَّمَا أَصْلُهَا الْفِضَّةُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ يَفْتَرِقَانِ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى الْإِيمَانِ بِمَا دَلَّ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ لِجِبْرِيلَ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ: الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " وَمَا ذَكَرَ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ مِنَ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: «أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ» فَسَمَّى الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ ⦗٧١٥⦘ الْإِيمَانَ، وَسَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا قَوْلُهُ: لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» وَالْبَوَائِقُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِاللِّسَانِ، وَالْيَدِ فَسَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ لِأَنَّ مَنْ أَمِنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَمَنْ لَا يَسْلَمُ جَارُهُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ لَا يَأْمَنُ بَوَائِقَهُ، وَقَالَ: «الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَمَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ أَمِنُوهُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ» فَدَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُنَّتِهِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ لَا يَفْتَرِقَانِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ هُوَ الْمُؤْمِنُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اسْمَيْنِ دَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ يَجْعَلُهُمَا مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ عَارَضَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّدِّ إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَصْلٌ لِلْآخَرِ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَعَنْهُ يَكُونُ الْخُضُوعُ فَلَا يَكُونُ مُصَدِّقًا إِلَّا ⦗٧١٦⦘ خَاضِعًا وَلَا خَاضِعًا إِلَّا مُصَدِّقًا، وَعَنْهُمَا تَكُونُ الْأَعْمَالُ الَّتِي وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ وَتَسَمَّى مَنْ قَامَ بِهَا بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute