للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْخُمُوصَةِ وَالْمَجَاعَةِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَامْتِثَالِ أَصْحَابِهِ وَتُبَّاعِهِ فِي ذَلِكَ أَخْلَاقَهُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَأَتْبَاعُهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لَهُ وَلِأَتْبَاعِهِ حَالُ ضِيقٍ يَحْتَاجُ هُوَ وَهُمْ مَعَهَا إِلَى الِاسْتِسْلَافِ وَالِاسْتِقْرَاضِ، وَإِلَى طَيِّ الْأَيَّامِ عَلَى الْمَجَاعَةِ وَالشِّدَّةِ. فَكَانَ مَا يَكُونُ مِنْ ضِيقٍ يُصِيبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أَوْ مَنْ يُصِيبُهُ ذَاكَ مِنْهُمْ وَمَعِيشَتُهُ لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الَّتِي وَصَفْنَا، وَهَذِهِ وَالْأَحْوَالُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ أَصْحَابِهِ عُنِيَتْ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ مِنْ شَدِّهِ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَعُدْمِهِمُ الْقُوتَ وَمَا يُشْبِعُهُمُ الْأَيَّامَ الْمُتَتَابِعَةَ. وَتَقُولُ عَائِشَةُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهَا: لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا شَهْرَانِ مَا يُوقَدُ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْبَاحٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ. فَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ ثَلَاثًا تِبَاعًا مِنْ خُبْزٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ الْبُرَّ كَانَ بِنَوَاحِي مَدِينَتِهِ قَلِيلًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَهْدِهِ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ، فَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْثِرُ قُوتَ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَيَكْرَهُ أَنْ يَخْتَصَّ نَفْسَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ مِنَ الْغِذَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِأَخْلَاقِهِ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ شَبْعَتَيْنِ فِي يَوْمٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لِعَوَزٍ وَلَا لِضِيقٍ، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَفَاءَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلِ وَفَاتِهِ بِلَادَ الْعَرَبِ كُلَّهَا، وَنَقَلَ إِلَيْهِ الْخَرْجَ مِنْ بَعْضِ بِلَادِ الْعَجَمِ كأَيْلَةَ وَالْبَحْرَيْنِ وَهَجَرَ؟ وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْضُهُ لَمَّا وَصَفْتُ مِنْ إِيثَارِهِ نَصِيبَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>