رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ كَالَّذِي ذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ جَهَّزَ جَيْشًا مِنْ مَالِهِ حَتَّى لَمْ يَفْقِدُوا حَبْلًا وَلَا قَتَبًا، وَكَالَّذِي ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَارٍ صَدَقَةً مِنْهُ تَصَدَّقَ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ وَفِي صَاحِبِهِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قَدْ كَسَبَهُ بِجَرِّ الْجَرِيرِ عَلَى ظَهْرِهِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، إِذْ تَكَلَّمَ فِي أَمْرِهِمَا الْمُنَافِقُونَ، فَقَالُوا لِهَذَا: إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الرِّبَا وَقَالُوا فِي الْآخَرِ: كَانَ اللَّهُ غَنِيًّا مِنْ صَاعِهِ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: ٧٩] . فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ أَفْعَالُهُ وَخَلَائِقُهُ أَنَّهُ لَا يُخْطِئُهُ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ التَّارَةُ مِنَ الزَّمَانِ وَالْحِينُ مِنَ الْأَيَّامِ مُمْلِقًا لَا شَيْءَ لَهُ، قَدْ أَسْرَعَ فِي مَالِهِ نَوَافِلُ عَطَايَاهُ وَفَوَاضِلُ نَدَاهُ، إِنِ احْتَاجَ لَهُ أَخٌ أَوْ خَلِيلٌ إِلَى بَعْضِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْآدَمَيُّونَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى مُؤَاسَاتِهِ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ، إِلَى أَنْ يَثُوبَ لَهُ مَالٌ، أَوْ يَتَعَيَّنَ لَهُ مَالٌ. فَقَدْ ثَبَتَ إِذًا بِمَا ذَكَرْتُ وَوَصَفْتُ خَطَأَ قَوْلِ الْقَائِلِ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى أَوْسُقٍ مِنْ شَعِيرٍ، وَفِي أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى وَالسَّعَةِ مَنْ لَا يَجْهَلُ مَوْضِعَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ كَانَ يَطْوِي الْأَيَّامَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ خَمِيصًا وَأَصْحَابُهُ يَمْتَهِنُونَ لَهُ أَمْوَالَهُمْ، وَيَبْذِلُونَهَا لِمَنْ هُوَ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ؟ فَكَيْفَ لَهُ؟ إِذْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومًا جُودُهُ وَكَرَمُهُ وَإِيثَارُهُ ضِيفَانَهُ وَالْقَادِمِينَ عَلَيْهِ مِنْ وفُودِ الْعَرَبِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَقْوَاتِ وَالْأَمْوَالِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، وَاحْتِمَالِهِ الْمَشَقَّةَ وَالصَّبْرَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute