٢٠ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ النَّحْوِيُّ نَفْطَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثنا الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: " كُنَّا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَنَحْنُ فِي إِصْلَاحِ بَعْضِ شَأْنِنَا إِذْ أَقْبَلَ أَعْرَابِيُّ مَعَهُ ابْنَتَانِ لَهُ، فَسَلَّمَ، فَقَالَتْ إِحْدَى ابْنَتَيْهِ:
[البحر الرجز]
يَا أَيُّهَا الرَّكْبُ ذَوُو التَّعْرِيسِ ... هَلْ فِيكُمْ مِنْ طَارِدٍ لِلْبُوسِ
بِفَاضِلٍ مِنْ زَادِهِ خَسِيسِ ... أَثَابَهُ اللَّهُ بِهِ النَّفِيسِ
بِجَنَّةٍ تَكْبُرُ فِي النُّفُوسِ
فَلَمْ تُعْطَ شَيْئًا، فَجَلَسَتْ، وَقَامَتِ الْأُخْرَى، فَقَالَتْ:
هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ تُوَاسُونَا بِهِ ... لِلَّهِ وَالرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهِ
فَقَدْ بَلَانَا الدَّهْرُ بِانْقِلَابِهِ ... بِنَائِبَاتٍ مِنْ شَبَى أَنْيَابِهِ
فَلَمْ تُعْطَ شَيْئًا، فَجَلَسَتْ، وَقَامَ الشَّيْخُ فَقَالَ:
وَاللَّهِ لَوْلَا كَثْرَةُ الْبَنَاتِ ... وَشِدَّةٌ مِنْ دَهْرِنَا لَمْ نَاتِي
وَلَمْ يُرَ الشَّيْخُ مَعَ الْبَنَاتِ ... نَمُدُّ أَيْدِينَا بِهَاتِ هَاتِ
فَلَمْ يُعْطَ شَيْئًا، فَأَخَذَ بِيَدِ ابْنَتَيْهِ، وَمَضَى غَيْرَ بَعِيدٍ، وَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
بُنَيَّتَيَّ صَابِرًا أَبَاكُمَا ... إِنَّكُمَا بِعَيْنِ مَنْ رَآكُمَا
فَأَخْلِصَا لِلَّهِ مِنْ نَجْوَاكُمَا ... تَضَرُّعًا لَا تَدَّخِرَا بُكَاكُمَا
⦗١١٩⦘
اللَّهُ مَوْلَايَ وَهُوَ مَوْلَاكُمَا ... لَوْ شَاءَ رَبِّي عَنْهُمُ أَغْنَاكُمَا
قَالَ: فَقَامَ فِتْيَةٌ مِنَ الْقَافِلَةِ، فَجَبَوْا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَحْمَلٍ دِرْهَمًا، فَصَارَتْ إِلَيْهِ جُمْلَةٌ، فَأَخَذَهَا وَانْصَرَفَ"