للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والايات المحكمة تعرض مراحل هذا الإنتقال، في خطوات متتابعة، تسلم كل منها إلى أخرى أفدح واشد نكراص: بدأ فكذب بعد إذ أراه موسى الآية الكبرى. وعصى الرسول، ثم ولى مدبراً يسعى في تأكيد سلطانه وحمايته من خطر داهم يهدده، وكان سعيه هذا نتيجة لما ملأ نفسه من قلق، لو شاعت مقاله موسى في الناس، وأراهم ما أراه من ألاية الكبرى، فأبطلت ما يدعيه فرعون لنفسه من ربوبية.

والإدبار هنا هو الإعراض عن موسى وما أراه من الاية الكبرى.

والسعي لا يكون في هذا الجو النفسي - المروع بما سمع من النبي المرسل ورأى من آيته الكبرى - إلا لمواجهة الخطر والحيلولة دون تصديق الناس برسالة موسى. وهذا هو ما تفهمه الآيات البينات من قرب، دون حاجة إلى تكلف في تأويل الإدبار هنا بأنه فرار فرعون مرعوباً من الحية، وأن السعي هو الإسراع في المشية عن ذعر وطيش "وقد كان فرعون رجلاً طياشاً خفيفاً" على ما ذكر مفسرون، ولا ندري من أين جاءهم علم بذاك.

وإنما نستبعد هذا التأويل، لأن الذعر من رؤية الثعبان منقلباً عن عصا، يبدو لنا مستبعداً في بيئة كانت تمارس السحر وتأليف أفاعيل السحرة، فليست رؤية عصا تنقلب حية تسعى، بحيث تثير رعب فرعون وتدفعه إلى الفرار مذعوراً. والقرآن نفسه يحدثنا في (سورة طه ٥٧و ٧١) عن موقف فرعون حين حشر السحرة من قومه، فألقوا حبالهم وعصيهم. ثم ألقى موسى عصاه فإذا هي {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ويمضي القرآن فيصور لنا وقع هذه الآية على السحرة وعلى فرعون: أما هم فسجدوا خاشعين أمام المعجزة وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} وأما فرعون فثبت على كفره وطغيانه، وأنكر تسليم السحرة وتوعد وأنذر. قال:

{آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} .

<<  <  ج: ص:  >  >>