سلامًا، ولذلك لم يلق ما لقيه أشداء العلماء والفلاسفة في العصور الماضية من الإِرهاق والإِعنات أمثال ابن حزم الأندلسي، والشِّهاب السهروردي، لأنَّه كان يتلطف في المُناظرة وإقناع المخالف فإِذا رأى المناقش بمعزل عن الفهم سكت عنه.
نعم كان مثال التلطف في بث الفكر فلم يصك به -كما قيل- معارضه صك الجَنْدَلِ ويُنشقه متلقنه انتشاق الخَرْدَلِ.
• قام الأستاذ في دورٍ زهد النَّاس فيه في العلوم الدينية إلَّا قليلًا، فأعاد إِليها في هذه الدِّيار بنور عقله شيئًا من بهائها السابق، ولقد كان يجتمع به المُوافق والمُخالف فما كانا يصدران عنه إِلَّا معجبين بعقله مقرين بفضله معترفين بقصورٍ كثير حتى من المشاهير عن إدراك شأوه: يخلب الألباب، ويستميلُ العقول، فكأنَّه خلق من معدن اللُّطف ورقَّةِ الشمائل.
لم تجد الغلظة سبيلًا إِلى قلبه، ولا الفظاظة أثرًا في كلامه وقلمه، ولا عجب إِذا كثر في آخر أمره أنصاره، وعشقته النُّفوس فأكبرت الخطب فيه. جاء في الأثر: لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلَّا من كان فقيهًا فيما يأمر به فقيهًا فيما ينهى عنه رفيقًا فيما يأمر به رفيقًا فيما ينهى عنه حليمًا فيما يأمر به حليمًا فيما ينهى عنه.
دخل عبد اللطيف البغدادي فيلسوف الإِسلام على القاضي الفاضل فقال: رأيت شيخًا ضئيلًا كله رأس وقلب، وهو يكتب ويُملي على اثنين ووجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات لقوة حرصه في إخراج الكلام، وكأنَّهُ يكتب بجملة أعضائه.
وهذا التَّعريفُ يصدقُ من أكثر وجوهه على الشَّيخ القَاسمي؛ فإِنَّهُ