للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث، إذ قال:"ولا يظن بمن قال هذا القول: أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقد فيها، وتفعل عندها، فإنَّها كانت لا تقدم على ما تطيرت به، ولا تفعله بوجه بناء على أن الطيرة تضر قطعًا، فإنَّ هذا ظن خطأ، وإنما يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه، ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه، ويسكن له خاطره، ولم يُلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها، بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود" (١).

ومنه ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي إسحاق، قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم، ومعنا الشعبي، فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، ثم أخذ الأسود كفاً من حصى فحصبه به، فقال: ويلك تحدث بمثل هذا، قال عمر:"لا نترك كتاب الله وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (٢) " (٣).

فعمر - رضي الله عنه - عرض خبر فاطمة بنت قيس على القرآن الكريم، فرآه يخالفه، فالقرآن نصّ على السكنى للمطلقة، وفاطمة روت حادثة لها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - معارضة لهذا، فعمر - رضي الله عنه - ردّ حديثها معللاً ذلك بانها واحدة لعلها نسيت أو اخطأت في نقلها أو فهمها للحديث، وللعلماء في الحديث أقوال فلتنظر في محلها.

ومنه ما أخرجه الطبراني من حديث طارق بن شهاب قال: سألت عبد الله عن امرأة أرادت أن تجعل من حجها عمرة فقال:" ألم تسمع الله يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (٤) ما أرى هؤلاء إلا أشهر الحج " (٥).

والحقيقة أنّ هذا المنهج (عرض الرواية على القرآن الكريم) قد علّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، فمنه ما أخرجه تمام الرازي في فوائده بسنده عن أم مبشر، قالت: كنت في بيت حفصة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا


(١) القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص شرح مسلم ١٨/ ١٠٤.
(٢) سورة الطلاق/١.
(٣) أخرجه مسلم، المسند الجامع ٢/ ١١١٨ (١٤٨٠).
(٤) سورة البقرة/١٩٧.
(٥) الطبراني، المعجم الكبير٩/ ٣٤٢ (٩٧٠٣).

<<  <   >  >>