للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأمّ المؤمنين هي أعرف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وطيبه، وهي من طيبته ثم أحرم، فهي صاحبة الحادثة، أضف إلى كونها زوجة النبيِّ، وهي أعرف بحال زوجها في مثل هذه الأحوال.

ومنه ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبيد بن عمير، قال: بلغ عائشة، أنّ عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن. فقالت: يا عجباً لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد. ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات" (١).

ومنه ما أخرجه الشيخان من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقص، يقول في قصصه: "من أدركه الفجر جنبا فلا يصم"، فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث - لأبيه - فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه، حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، قال: فكلتاهما قالت: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبا من غير حلم، ثم يصوم". قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة، فرددت عليه ما يقول: قال: فجئنا أبا هريرة، وأبو بكر-راوي الحديث- حاضر ذلك كله، قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم، ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك، قلت لعبد الملك: أقالتا: في رمضان؟ قال: كذلك كان يصبح جنباً من غير حلم ثم يصوم" (٢).

وفي هذه الأمثلة بيان واضح لمنهج الصحابة الكرام في التثبت من صحة الرواية من صاحب القصة، وفي ذهابهم إلى أمهات المؤمنين غاية في الفهم، فهم أعرف الناس بمثل هذه الأحكام، وهذا الضابط قد يشترك بوجه من الوجوه بالضابط السابق.

ومنه: ما أخرجه الشيخان من حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: كنّا جلوساً عند عمر - رضي الله عنه -، فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟ قلت: أنا كما قاله. قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي. قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر. قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إنّ بينك وبينها باباً مغلقاً. قال:


(١) أخرجه مسلم، المسند الصحيح ١/ ٢٦٠ (٣٣١)،وغيره.
(٢) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (١٨٢٥)،ومسلم، المسند الصحيح –واللفظ له-٢/ ٧٧٩ (١١٠٩) وغيرهما.

<<  <   >  >>