ولله در القائل:
هم يحسدوني وشر الناس كلهم ... من عاش في الناس يوما غير محسود
إذ لا يسود سيد بدون ودود يمدح، وحسود يقدح، لأن من زرع الإحن حصد المحن، فاللئيم يفضح، والكريم يصلح، لكن يا أخي بعد الوقوف على حقيقة الحال، والاطلاع على ما حرره المتأخرون كصاحب البحر والنهر والفيض، والمصنف وجدّنا المرحوم وعزمي زاده وسعدي أفندي والزيلعي والأكمل والكمال وابن الكمال مع تحقيقات سنح بها البال، وتلقيتها عن فحول الرجال، ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، ومع هذا فمن أتقن كتابي هذا فهو الفقيه الماهر، ومن ظفر بما فيه، فسيقول بمل فيه: * كم ترك الأول للآخر *.
ومن حصله فقد حصل له الحظ الوافر، لأنه هو البحر لكن بلا ساحل، ووابل القطر، غير أنه متواصل، بحسن عبارات، ورمز إشارات، وتنقيح معاني، وتحرير مباني، وليس الخبر كالعيان،
وستقر به بعد التأمل العينان، فخذ ما نظرت من حسن روضه الأسمى، ودع ما سمعت عن الحسن وسلمى:
خذ ما نظرت ودع شيئا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
هذا، وقد أضحت أعراض المصنفين أغراض سهام ألسنة الحساد، ونفائس تصانيفهم معرضة بأيديهم تنتهب فوائدها ثم ترميها بالكساد:
أخا العلم لا تعجل بعيب مصنف ... ولم تتيقن زلة منه تعرف
فكم أفسد الراوي كلاما بعقله ... وكم حرف الاقوال قوم وصحفوا
وكم ناسخ أضحى لمعنى مغيرا ... وجاء بشيء لم يرده المصنف
وما كان قصدي من هذا أن يدرج ذكري بين المحررين، من المصنفين والمؤلفين، بل، القصد رياضة القريحة وحفظ الفروع الصحيحة، مع رجاء الغفران، ودعاء الاخوان، وما علي من إعراض الحاسدين عنه حال حياتي فسيتلقونه بالقبول إن شاء الله تعالى بعد وفاتي، كما قيل:
ترى الفتى ينكر فضل الفتى ... لؤما وخبثا فإذا ما ذهب
لج به الحرص على نكتة ... يكتبها عنه بماء الذهب
فهاك مؤلفا مهذبا لمهمات هذا الفن، مظهرا لدقائق استعملت الفكر فيها إذا ما الليل جن، متحريا أرجح الاقوال وأوجز العبارة، معتمدا في دفع الايراد بألطف الاشارة، فربما خالفت في حكم أو دليل، فحسبه من لا اطلاع له ولا فهم عدولا عن السبيل، وربما غيرت تبعا لما شرح عليه المصنف كلمة أو حرفا، وما درى أن ذلك لنكته تدق عن نظره وتخفى.
وقد أنشدني شيخي الحبر السامي والبحر الطامي، واحد زمانه وحسنة أوانه، شيخ الاسلام الشيخ خير الدين الرملي أطال الله بقاءه: