صنف في العلوم الدينية تسعمائة وتسعة وتسعين كتابا.
ومن تلامذته الشافعي رضي الله عنه وتزوج بأم الشافعي وفوض إليه كتبه وماله، فبسببه صار الشافعي فقيها.
ولقد أنصف الشافعي حيث قال: من أراد الفقه فليلزم أصحاب أبي حنيفة، فإن المعاني قد تيسرت لهم، والله ما صرت فقيها الا بكتب محمد بن الحسن.
وقال إسماعيل بن أبي رجاء: رأيت محمدا في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، ثم قال: لو أردت أن أعذبك ما جعلت هذا العلم فيك، فقلت له: فأين أبو يوسف؟ قال: فوقنا بدرجتين قلت: فأبو حنيفة؟ قال: هيهات، ذلك في أعلى عليين، كيف وقد صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، وحج خمسا وخمسين حجة، ورأى ربه في المنام مائة مرة؟ ولها قصة مشهورة.
وفي حجته الاخيرة استأذن حجبة الكعبة بالدخول ليلا، فقام بين العمودين على رجله اليمنى ووضع اليسرى على ظهرها حتى ختم نصف القرآن، ثم ركع وسجد، ثم قام على رجله اليسرى ووضع اليمنى على ظهرها حتى ختم القرآن، فلما سلم بكى وناجى ربه وقال: إلهي ما عبدك هذا العبد الضعيف حق عبادتك، لكن عرفك حق معرفتك فهب نقصان خدمته لكمال معرفته، فهتف هاتف من جانب البيت: يا أبا حنيفة قد عرفتنا حق المعرفة وخدمتنا فأحسنت الخدمة، قد غفرنا لك ولمن اتبعك ممن كان على مذهبك الى يوم القيامة. وقيل لأبي حنيفة: بم بلغت ما بلغت؟ قال: ما بخلت بالإفادة، وما استنكفت عن الاستفادة. وقال مسافر بن كرام: من جعل أبا حنيفة بينه وبين الله رجوت أن لا يخاف وقال فيه:
حسبي من الخيرات ما أعددته ... يوم القيامة في رضا الرحمن
دين النبي محمد خير الورى ... ثم اعتقادي مذهب النعمان
وعنه عليه الصلاة والسلام (إن آدم افتخر بي وأنا أفتخر برجل من أمتي اسمه نعمان وكنيته أبو حنيفة، هو سراج امتي) وعنه عليه الصلاة والسلام (إن سائر الانبياء يفتخرون بي، وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني) كذا في التقدمة شرح مقدمة أبي الليث قال في الضياء المعنوي: وقول ابن الجوزي: إنه موضوع، تعصب، لانه روي بطرق مختلفة.
وروى الجرجاني في مناقبه بسنده لسهل بن عبد الله التستري أنه قال (لو كان في أمة موسى وعيسى مثل أبي حنيفة لما تهودوا ولما تنصرا).
ومناقبه أكثر من أن تحصى، وصنف فيها سبط ابن الجوزي مجلدين كبيرين، وسماه (الانتصار لامام أئمة الامصار). وصنف غيره أكثر من ذلك.
والحاصل أن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد القرآن، وحسبك من مناقبه اشتهار مذهبه، ما قال قولا الا أخذ به إمام من الائمة الاعلام، وقد جعل الله الحكم لاصحابه وأتباعه من زمنه الى هذه الايام، الى أن يحكم بمذهبه عيسى عليه السلام،
وهذا يدل على أمر عظيم اختص به من بين سائر العلماء العظام، كيف لا وهو كالصديق رضي الله عنه، له أجره من دوَّن الفقه وألَّفه وفرع أحكامه على أصوله