للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما صَلَّى عثمانُ في مِنَى في الحَجِّ الرُّباعية أربعاً ولم يقصر بعد أنْ مَضى مِنْ خِلافته ثماني سنوات، وأنكرَ النَّاسُ عليه، وقالوا: قَصَرَ النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعُمرُ، يعني: وأنت في أول خِلافتك، لكنه تأوَّل، فكان الصَّحابة الذين ينكرون عليه يصلُّون خلفَه أربعاً، وهم ينكرون عليه، مع أنَّ هذه زيادة متَّصلة بالصَّلاة مُنكرَة عندهم، ولكن تابعوا الإمام فيها إيثاراً للاتِّفاق.

فما بالك بزيادة منفصلة، لو تعمَّدها الإنسان لا تؤثِّر على بطلان الصَّلاة؟ ثم يقول: إننا متمسِّكون بالسُّنَّة ومتَّبعون لآثار الصَّحابة. مع مخالفته في هذه المسألة.

فإني أقول: إنَّ كلَّ إنسان يقول: إنه متَّبعٌ للسُّنَّة متَّبعٌ لهدي السَّلف؛ فإنه لا يسعه أن يدعَ الإمامَ إذا صَلَّى ثلاثاً وعشرين ويقول: أنا سأَتَّبعُ السُّنَّةَ وأصلِّي إحدى عشرة؛ لأنك مأمورٌ بمتابعة إمامك منهيٌّ عن المخالفة، ولست منهيًّا عن الزيادة عن إحدى عشرة.

فيجب على طَلَبَةِ العِلم خاصَّة، وعلى النَّاس عامَّة أن يَحْرِصُوا على الاتفاق مهما أمكن؛ لأن مُنْيَةَ أهل الفِسقِ وأهلِ الإلحاد أنْ يختلفَ أصحابُ الخير، لأنه لا يوجد سلاحٌ أشدُّ فتكاً مِن الاختلاف، وقد قال موسى للسَّحرة: {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ} [طه:٦١ - ٦٢]، فلما تنازعوا فَشِلوا وذهبت ريحُهم.

فهذا الاختلاف الذي نجده من بعض الإخوة الحريصين على اتِّباع السُّنَّة في هذه المسألة وفي غيرها، أرى أنه خِلاف السُّنَّةِ، وخِلافُ ما تقصده الشَّريعة مِن توحّدِ الكلمة واجتماعِ الأمَّة، لأنَّ هذا -ولله الحمد- ليس أمراً محرَّماً ولا منكراً، بل هو أمْرٌ يسوغ فيه الاجتهادُ، فكوننا نولِّد الخِلافَ ونشحنُ القلوبَ بالعداوة والبغضاء والاستهزاء بمن يخالفنا في الرَّأي، مع أنه سائغٌ ولا يخالف السُّنَّة، فالواجب على الإنسان أنْ يَحْرِصَ على اجتماع الكلمة ما أمكن] الشرح الممتع ٤/ ٨٣ - ٨٦.

<<  <   >  >>