كتاب الأشاعرة في ميزان أهل السنة

دعاوى التأويل الوارد عن السلف والجواب عليها - ثامنا: دعوى تأويل ابن عباس - رضي الله عنه - للفظ (الجنب) - ص: 572

منفصلاً عن الله، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة، فظاهر االآية لا يدل على أن قول القائل: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله وذاته.

وإنما المراد بجنب الله، طاعة الله، وأمر الله، وحق الله، كما يقال (سبيل الله). ومنه ما ورد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قتل دون ماله مظلوما فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون جاره فهو شهيد، ومن قتل في جنب الله فهو شهيد) (١).

وكما في قول إبي الدرداء - رضي الله عنه -: (إنك لن تتفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في جنب الله، ثم ترجع إلى نفسك فتجدها أمقت من سائر الناس) (٢).

وفي قول خالد بن معدان: (لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله أمثال الأباعر، ثم يرجع إلى نفسه فتكون هي أحقر حاقر) (٣).

قال ابن منظور في اللسان (مادة جنب): (قال الفراء: الجنب القرب، وقوله عز وجل: {على ما فرطت في جنب الله} أي: في

---

(١) رواه الحارث في مسنده كما في المطالب العالية لابن حجر (٩/ ٢٠٠).
(٢) رواه أحمد في الزهد (ص١٣٤) وابن أبي شيبة في المصنف (٧/ ١١٠) والخطابي في العزلة (ص٦١).
(٣) رواه ابن المبارك في الزهد (ص٩٩)