للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا صريح أيضاً في إثبات النزول الحقيقي لله لا المجازي، كالقول بأنه نزول ملك أو نزول أمره. ولذلك قال عن نزوله (كيف شاء).

وقال في كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" في "باب بيان ما أنكرت الجهمية من أن يكون الله كلم موسى": (قال أحمد رضى الله عنه فلما خنقته الحجج قال: إن الله كلم موسى، إلا أن كلامه غيره. فقلنا: وغيره مخلوق؟ قال: نعم. فقلنا: هذا مثل قولكم الأول، إلا أنكم تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون. وحديث الزهري قال: "لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي، إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمت.

قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له: صف لنا كلام ربك؟ قال: سبحان الله وهل أستطيع أن أصفه لكم. قالوا: فشبِّهه؟ قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها فكأنه مثله

(١)


(١) الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد (ص١٣٢). وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه منها: مجموع الفتاوى (٦/ ١٥٤) ودر التعارض (١/ ٣٧٧). اهـ.
وهذا لفظ حديث جابر - رضي الله عنه -: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٤/ ١١١٩) والبزار كما في مجمع الزوائد (٨/ ٢٠٤) وابن بطة في الإبانة (٢/ ٣١٠) وأبو نعيم في الحلية (٦/ ٢١٠) والآجري في الشريعة (ص٣١٦) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص٣٤٨) وعزاه ابن كثير في تفسيره (١/ ٥٨٩) إلى ابن مردويه، وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، قال عنه ابن كثير في تفسيره (١/ ٥٨٩): (ضعيف بمرة).

وأما حديث الزهري: فقد رواه عبد الرزاق في تفسيره (٢/ ٢٣٨) وابن أبي حاتم في تفسيره من طريقه (٤/ ١١١٩) وعبد الله في السنة (١/ ٢٨٣) وابن جرير (٦/ ٢٩) وابن بطة في الإبانة (٣١١) والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق (ص٣٥)، كلهم من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال أخبرني جرير بن جابر الخثعمي أنه سمع كعب الأحبار يقول: (لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه، فطفق موسى يقول: والله يا رب ما أفقه هذا، حتى كلمه آخر ذلك بلسانه بمثل صوته، فقال موسى: هذا يارب كلامك؟ قال الله تعالى: لو كلمتك كلامي لم تكن شيئاً، أو قال: لم تستقم له، قال: أي رب هل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا، وأقرب خلقي شبه كلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق). قال ابن كثير في تفسيره (١/ ٥٨٩): (هذا موقوف على كعب الأحبار وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين).
قلت: وليست الحجة في هذا الحديث الضعيف، وإنما في استشهاد الإمام أحمد به، وقبوله لما دل عليه من صفة كلام الله تعالى وأنه بصوت مسموع حقيقة.

<<  <   >  >>