أصُوُلُ وَشَواهِدُ النَّظَر العَقلي في القُرآنِ وَالفِكرِ الإسلامي
لا شك في أن التديّن، سابقّ على التفلسف. وقبل ظهور فلاسفة اليونان، كانت هنا: ديانات مُنَزَّلةٌ معروفةٌ، وأخرى غير منزّلة، ولا ريب في أنّ فلاسفة اليونان عرفوا ذلك، وانطبعت عقولهم بالكثير منه، خصوصاً أفلاطون، لكن اليونان بوجه عام، في تصوراتهم للألوهية وأحاديثهم عنها، كانوا يعتمدون على ملكاتهم الفكرية الطبيعية. حقيقة أخرى خاصة بالديانة اليهودية; فعلى الرغم من أن اليهودية ظهرت قبل الفلسفة اليونانية وكانت أسبق عليها; فإنه لم يظهر بين اليهود من تفلسف، إلاّ بعد ظهور الفلسفة اليونانية. كان ذلك: على يد فيلوان السكندري (٣٠ ق. م ـ ٥٠م) ; لكننا في الحقيقة لا نجد عنده ولا عند فلسفته نظراً عقلياً، وتفسيراً علميّاً فلسفياً لهذا العالم، ولا أدلّةً نظرية لإثبات وجود الله، ولا فلسفة لاهوتية بمعنى الكلمة، وإن وجدنا فقط تأويلات رمزية للتوراة، ونزعات روحية، فيها عناصر أفلاطونية، مع دفاع عن الدين. أما فلاسفة اليهود الذين يشار إليهم ويُعتَدُّ بهم، من بدايات نشأة التفكير الفلسفي بين اليهود حتى ظهور موسى بن ميمون (ت١٢٠٤ هـ) ، فإنهم نبغوا بفضل الحضارة الإسلامية بالذات، وبفضل الفكر الإسلامي بالذات، وهم ينتمون جميعاً من الناحية الفلسفية، إلى التيارات الكبرى عند فلاسفة الإسلام (٢) .
وكان ظهور المسيحية، واختلاط عناصر الفلسفة، بتصوّرات علماء اللاهوت المسيحيين، مجالاً لظهور آراء في الألوهيّة. لكنّ أوَّل كلام له وَزنُه، فيما يتعلق بالله، وإثبات وجود الله، هو ما نجده عند «أوغسطين»(ت٣٤٠م) ثم عند «انسلم»(ت١١٠٩م) .