أما «أوغسطين» فيستدلّ على وجود الله من النظر، في هذا العالم المحسوس، الذي يدل تغيُّرُه على أنّه مخلوق، ويدلّ نظامُه البديع على أنه مصنوع (٣) . ويضيف «أوغسطين» حقيقة جديدة، هي أن ذات الله لا يمكن إدراكها بالمفهومات الإنسانية فهو «يُعرف بأنّه لا يعرف» ، وهو قد خلق الأشياء عن لا شيء، بِفعل إراديِّ حرّ كامل. ومعنى هذا أن أوغسطين، يرفض تماماً، ما ذهب إليه أفلاطون وأرسطو، من وجود «هيولى» قديمة إلى جانب علّة العالم، كما يرفض القول بالصُّدور، على ما هو معروف في الأفلوطينية المحدثة (٤) .
وأمّا «أنسلم» فهو يؤكد أننا نتصور ونَعقَل وجود كائن لا يمكن تصوّر ما هُوَ أعظم منه، لكن هذا الكائن لا يمكن أن يكون في الذّهن فقط، لأنه إنّ كان كذلك، فنحن نستطيع أن نتصوره موجوداً في الحقيقة، أي خارج الذهن، وهو في هذه الحالة يكون أعظم.
وإذن، فلو كان الكائن، الذي لا أعظم منه، موجوداً في الذهن فقط، فكأننا نقول: ما لا يُتَصَوَّر أعظم منه، يمكن أن يتصور أعظم منه!! وهذا تناقض.
وعلى هذا فالكائن الذي لا أعظم منه، لابد أن يكون موجوداً في الذهن، كمفهوم، وخارج الذهن كشيء حقيقي موجود بالفعل (٥) .
وقد ظل هذا الدليل موضع جدال وخلاف بين الفلاسفة، وكان أقوى من رَفَضَه واعتبره لوناً من السفسطة، (توماس الأكويني)(ت١٢٧٤م) . ومن الواضح أن الأكويني ـ وهو متأثر بمدرسة ابن رشد ـ كان يرى، كما رأى بعض فلاسفة المتكلمين في الإسلام بوجه عام، أن المعرفة بالله، ليست بديهية أو ضرورية كما يقولون، يقصدون أن العقل لا يمكنه إنكارها. ويمكن الرجوع في هذا إلى المستشرق الأسباني، آسين بلاسيوس في بعض مباحثه عن الأكويني والمدرسة الإسلامية في الثلاثينات من هذا القرن العشرين.