وكان ظهور الإسلام بكتابه الحكيم هو الحقيقة العظمى، كما كان مدخل التحوّل، في تاريخ الدين المنزَّل، والتفكير الديني أو العلمي والفلسفي معاً وجميعاً. فقد جاء فيما يتعلق بالألوهية، بالمفهوم الكامل الواضح للإله، بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة، وجاء يبني الإيمان على نظر العقل وثمرة المعرفة، وجعل موضوعات العقائد مسائل بحثٍ، وموضوع دليل وبرهان، ورسم منهجاً من المعرفة، يحدّد سبيلها، بُوُجود الله، وما له من صفات الكمال.
إنّ الذي يعنينا في هذه الكلمة، هو أن القرآن، حين عظّم أمر العلم والحكمة، أمر بالنظر العقلي البصير، في آيات الكون الظاهرة، داعياً للتأمل في أسرارها الخفية، عن طريق الحس والوجدان والعقل معاً وجميعاً والقرآن الحكيم حين يتكلم عن الله سبحانه، في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وتدبيره لهذا العالم، فإنه يبيّن لنا أن المنهج إلى معرفة ذلك: هو النظر العقلي المتكامل الصحيح في هذا العالم بكل إبداعاته وإجازاته الكونية والطبيعية، ومع سائر مخلوقاته وكائناته على السواء.
والقرآن الحكيم حين يعيب أهل التقليد فيصفهم بأنهم صمٌ بكمٌ عُميٌ فهم لا يعقلون، يؤكد أن مقاصد آياته ومعانيها، إنما تتجلّى للعلماء، والراسخين في العلم، أولئك الذين يدركون ضرورة وجود الإله الحق، ويَدعون فيما يَدعون إلى تعظيمه وخَشيَته: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء? (الآية ٢٨، فاطر) .