للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على أنه إذا كان القرآن من جهة يرشد المتفكر، إلى الطريق المؤدي إلى الإيمان بوجود الله إيماناً استدلالياً، يقوم على النظر العقلي العلمي والفلسفي، في هذا العالم; فإنه من جهةٍ أخرى يشير إلى أن أساس الإيمان بالله، موجود كامنٌ في الفطرة الإنسانية: ?فأقِم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها? (الآية ٣٠، الروم) أمر آخر نجده في آية العهد والميثاق التي شغلت ساحة التصوف الإسلامي كله، وهذه الآية تؤكد أن الإيمان بالله إلى جانب أنه معرفة أصلية، فهو عهدٌ وميثاق، أخذه اللهُ على الأرواح الآدمية البشرية كلها في عالمها السابق قبل أن تظهر متلبسةً متشخصةً في الأبدان والأجساد في هذه الدنيا: ?وإذ أخذ ربُّك مِن بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذريةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون? (الآيات ١٧٢ ـ ١٧٤، الأعراف) .

ولا شك: أن معرفة الروح بوجود الله، تلك المعرفة الفطرية في عالم الأرواح، الناطقة في آية العهد والميثاق الأزليّ الأبديّ، هذه المعرفة ليست استدلالية، بل هي معرفة ضرورية أو تجربة روحية، فيها تدرك الروح وجود ذاتها، وتدرك أن الله هو مصدر وجودها ومصدر معرفتها بهذه الحقيقة. على صراط الكتاب الحكيم، قامت البحوث حول المعرفة الإلهية. هل هي في هذه الدنيا استدلالية، أو هي ضرورية بديهية مغروزة كامنة في الفطرة كمون النار والنور في الحجر الصوان كما يقول بعض مفكّري الإسلام.

<<  <   >  >>