«الأشياء في هذا العالم مختلفة متضادة بطبيعتها، لكنها مجتمعة، ومقهورة على خلاف طبيعتها. ولما كان الضدّان لا يجتمعان من ذات أنفسهما، فإن اجتماعهما يدلّ على فعلٍ لهما، على خلاف طبيعتهما، والخاضع لقهر غيره ضعيف حادث محتاج إلى محدث» .
ويمكننا أن نجد عند المقدسي (١٢) ، إجمالاً لكثير من الأدلّة على وجود الله وأهمها:
١ ـ دليل الاضطرار أو دليل الافتقار وقد وضحناه وذكرنا شواهده في القرآن.
٢ ـ الدليل المستند إلى إجماع الأمم على وجود خالق مدبر، وهو دليل وثيق الصلة أيضاً، بالآية القرآنية: ?ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض، ليقولنَّ خلقهنَّ العزيز العليم? (الآية ٩، الزخرف) .
٣ ـ الدليل الغائي مع مزجه بالدليل الكوني (ومن الدليل على إثبات الباري سبحانه، هذا العالم بما فيه من عجيب النظم وبديع التركيب، ومحكم الصنع، ولطيف التدبير والاتساق والإتقان) .
٤ ـ الدليل المستند إلى تفاوت المخلوقات في درجاتها «فلو كانت الأشياء راجعةً إلى الطبيعة، لاستوت أحوالها وتكافأت أسبابها ولم تتفاوت، فلما وجدناها على خلاف ذلك، فلابد لها من مدبر حكيم وهو الله» .
٥ ـ الدليل الغائي المستند إلى الإتقان والدقة والنظام في كل شيء، مما يدلّ على تدبير قادر حكيم.
ويرى المقدسي (١٣) أنّ الملحد حجة على نفسه بنفسه ولغيره (فلا محيص للملحد من حجج الله وآياته، فكيف وهو حجة بنفسه ولغيره) ، كما يرى أن شكّ الشاكّين في وجوده له نفس الدلالة، وأيضاً وجود الخير والشر والثواب والعقاب، كل هذا يقضي بضرورة وجود الإله.
فإذا مضينا مع الفلاسفة كالكندي والفارابي وابن سينا مثلاً كما وقفنا مع ابن رشد في البداية، وجدنا للكنديّ (١٤) أدلّة تقوم على مقدمات واضحة: إمّا من البديهيات الرياضية والمنطقية، وإمّا من النظر في الواقع الكوني.