أفضل كلام وأعزه وأكرمه، وأعظمه بركة، وأعوده بصالحه كتاب الله العزيز الذي عجزت عنه خطباء العرب في عنفوانها، وشعراؤها في أبانها فهو يجل عن سجع المتكلمين، ويعظم من وزن المتكلفين من الخطباء والشاعرين وأنه معجزة باقية لأكرم أنبياء الله، وخيرته من خلقه، (صلى الله عليه وسلم)، ورحم وكرم. ثم خير كلام العرب وأشرفه عندها هذا الشعر الذي ترتاح له القلوب، وتجذل به الأخبار.
قال بعض العلماء بالعربية: أصل الكلام منثور، ثم تعقبت العرب ذلك واحتاجت إلى الغناء بأفعالها وذكر سابقيها، ووقائعها، وتضمين مآثرها، إذ كان المنطق عندهم هو المؤدي عن عقولهم، وألسنتهم خدم أفئدتهم، والمبينة لحكمهم، والخبرة عن آدابهم، وإن لا فرق عندهم بين الإنسان ما لم ينطق، وبين البهيمة إلا بتخالف الصورة، ولذلك قالوا: الصمت منام العقل، والنطق يقظته، والمرء مخبوء تحت لسانة حتى ينطق. وقالوا ترك الحركة للسان عقلة، وإذا ترك الإنسان القول ماتت خواطره. واجمعوا على استحسان الكلام مع الصواب كما اجمعوا على كراهة الكلام مع الإسهاب، وكرهوا زيادة المنطق على الأدب، وزيادة الأدب على منطق هجنه. وقال محمد بن عبد الله بن عباس: أني لأكره أن يكون الرجل لعملة فضل على عقله، كما أكره أن يكون للسانه فضل على عمله. وقيل لرجل من ملوك العرب: متى يكون العلم شرا من عدمه؟. قال: إذا كثر الأدب ونقصت القريحة.