فلما خرج تهيأت ثم أتته فعرضت عليه نفسها، فلم يزل يعظها ويذكر محاسن أخيه ومساوئ نفسه حتى انصرفت، ثم عادت إليه بعد. فلما أكثرت قال لها: لتنتهين أو لأكتبن إلى أخي. فتركته وقدم أخوه، فقال: يا أخي كيف رأيت أهلي؟ فقال في نفسه: قد عصم الله ولا أفسد على أخي أهله. فقال: خير أهل. فأتاها وقد ظنت أنه قد أخبره، فقال: كيف رأيت أخي. قالت: ما زال أخوك يراودني عن نفسي فعصيت، فغضب وحلف بالمحرمات لا يكلمه أبداً ما عاش، وخرجا حاجين، فهلك الأخ الأعزب بوادي الدوم، فكأنما هلك به جمل. فلما رجعوا مروا بذلك الوادي فسمعوا صارخا يقول:
أجدك تمضي الدوم ليلاً ولا ترى ... عليك لأهل الدوم أن تتكلما
فظنت المرآة أن المنادى من السماء فقالت: يا فلان هذا مقام العائذ، إنه كان من قصتنا كيت وكيت. فقال: والله لو حل قتلك لقتلتك. ففارقها وضرب على قبره خيمة، وانشأ يقول:
هجرتك في طول الحياة وأبتغي ... كلامك لما صرت رمساً وأعظما
ذكرت ذنوباً منك كنت اجترمتها ... أنا منك فيها كنت أسوا وأظلما
فلم يزل مقيما على قبره حتى مات، فدفن إلى جنبه. قال العتبى: فسألت الشاميين فعرفوه.
والعرب تضرب المثل بجار هلال بن كعب بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم فبينما الصبيان يلعبون في مستنقع ماء لهم ويتغاطون إذ غطوا ابن أبى دؤاد، فمات في ذلك الغطاط فقال أبو دؤاد: