للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعضُ السلفِ: بَلغنا أَنَّ الَّذِي يطلبُ الأحاديثَ ليحدِّثَ بها لا يجدُ ريحَ الجنةِ، يعني: من ليسَ له غرضٌ في طلبهَا إلاَّ ليحدث بها دُون العملِ بها.

ومن هذا القَبيلِ كراهةُ السَّلفِ الصَّالحِ الجُرْأَة عَلَى الفُتيا والحرصَ عليها (والمنازعة) (*) إليها والإكثارَ منها.

وروى ابنُ لهيعةَ عن [عُبيد اللَّه] (١) بن أبي جعفر مرسلاً، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أجْرَؤُكُم عَلَى الْفُتْيَا أَجرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ" (٢).

وقال علقمة: كانوا يَقُولُونَ: أَجرؤُكُم عَلَى الفتيا أَقلُّكُم علمًا.

وعن البراءِ قال: "أَدركتُ مائة وعشرين من الأنصارِ من أصحابِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُسأَلُ أحدُهُم عن المسأَلةِ مَا منهُم من أحد إِلَّا وَدَّ أن أخاهُ كَفاهُ".

وفي روايةٍ: "فيرُدُّها هذا إِلَى هذا، وهذا إِلَى هذا حتى ترجع إِلَى الأوَّلِ".

وعن ابنِ مَسعودٍ رضي اللَّه عنه قال: "إِن الَّذِي يُفتي الناسَ فى كُل ما يَسْتَفْتُونَهُ لمجنون".

وسُئِلِ عمرُ بنُ عبد العزيزِ عن مسألةٍ، فَقَالَ: ما أَنا عَلى الفُتيا بِجَريءٍ.

وكتبَ إِلَى بعضِ عُمَّالِهِ: إِني واللَّه مَا أَنا بِحَريصٍ عَلَى الفُتيا، ما وَجدتُ منها بُدًّا.

وليسَ هذا الأمرُ لمن ودَّ أَنَّ الناسَ احتاجُوا إليهِ، إِنما هذا الأمرُ لمن ودَّ أَنَّهُ وَجدَ من يَكفيهِ.

وعنهُ أنّه قال: أَعلمُ الناسِ بالفتوى أَسكَتُهُم، وأجهلُهُم بها أَنطقُهُم.


(١) في "الأصل": عبد الله. وهو خطأ، والصواب "عبيد الله" انظر "تهذيب الكمال" (١٥/ ٤٨٨).
(٢) أخرجه الدارمي (١٥٧).
(*) والمسارعة: "نسخة".

<<  <   >  >>