للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكما قيل:

فما لجرح إذا أرضاكم ألم

وكما قيل أيضاً:

في حبكم يهون ما قد ألقى ... ما يسعد بالنعيم من لا يشقى

من خدم من يحب تلذّذ بشقائه في خدمته.

وقال بعضهم: القلبُ المحبُّ لله يحب النصب له.

وقال عبد الصمد: أوجدهم في عذابه عُذوبة.

فإسباغ الوضوء عَلَى المكاره من علامات المحبِّين كما في "كتاب الزهد" للإمام أحمد (١) عن عطاء بن يسار قال: "قال موسى عليه السلام: يا رب! من أهلك الذين هم أهلك، الذين تظلهم في ظل عرشك؟.

قال: هم البريئة (أيديهم) (*)، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذُكرت ذكروا بي، وإذا ذُكروا ذكرت بذكرهم، الذين يُسبغون الوضوء في المكاره، ويُنيبون إِلَى ذكري كما تنيب النسور إِلَى أوكارها، ويكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حَرِبَ".

وقد يخرق الله العادة لبعض المحبِّين له فلا يجد ألم برد الماء، كما كان بعض السَّلف قد دعا الله أن يهوِّن عليه الطهور في الشتاء، فكان يؤتى بالماء وله بخار، وربما سُلِب بعضهم الإحساس في الحرِّ والبرد مطلقًا.

وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قد دعا له النبي صلّى الله عليه وسلم أن يذهب الله عنه الحر والبرد، فكان يلبس في الصيف لباس الشتاء، وفي الشتاء لباس


(١) (ص ٧٤ - ٧٥) وبين عطاء بن يسار وموسى عليه السلام مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي.
(*) أبدانهم: "نسخة".

<<  <   >  >>