للشاربين وأنهار من عسل مصفى} [محمد: ١٥] . {ذلك الفوز الكبير}{ذلك} المشار إليه الجنات وما فيها من النعيم {الفوز الكبير} يعني الذي به النجاة من كل مرهوب وحصول كل مطلوب؛ لأن الفوز هو عبارة عن حصول المطلوب وزوال المكروه، والجنة كذلك فيها كل مطلوب، وقد زال عنها كل مرهوب، فلا يذوقون فيها الموت، ولا المرض، ولا السقم، ولا الهم، ولا النصب. ثم قال تعالى:{إن بطش ربك لشديد}{بطش} يعني أخذه بالعقاب، والشديد القوي كما قال تعالى:) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة: ٩٨) فبطش الله يعني أنتقامه وأخذه شديد عظيم ولكنه لمن يستحق ذلك أما من لا يستحق ذلك فإن رحمة الله تعالى أوسع، ما أكثر ما يعفو الله عن الذنوب وما أكثر ما يستر من العيوب، ما أكثر ما يدفع من النقم، وما أكثر ما يجري من النعم، لكن إذا أخذ الظالم لم يفلته كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:«إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ، وتلى قوله تعالى:{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}(١)
{هود: ١٠٢} ، وعلى هذا فنقول:{بطش ربك} أي فيمن يستحق البطش، أما من لا يستحقه فإن الله تعالى يعامله بالرحمة، ويعامله بالكرم، ويعامله بالجود، ورحمة الله تعالى سبقت غضبه {إنه هو يبدىء ويعيد}{الروم: ٢٧} يعني أن الأمر إليه ابتداء وإعادة وهذا كقوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} فهو الذي بدأ الأشياء، وإليه تنتهي الأشياء، الأشياء منه وإليه في كل شيء، الخلق من الله وإليه، الشرائع من الله وإليه، كل الأمور من الله وإليه، ولهذا قال
(١) أخرجه البخاري كتاب التفسير باب قوله:) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (٤٦٨٦) ومسلم كتاب البر والصلة، باب كتاب تحريم الظلم (٢٥٨٣) (٦١) ..