سابقة على الآخرة فهي متقدمة عليها، والدنو بمعنى القرب. وأما كونها دنيا ناقصة فكذلك هو الواقع فإن الدنيا مهما طالت بالإنسان فإن أمدها الفناء، ومنتهاها الفناء، ومهما ازدهرت للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمر بك يوم في سرور إلا وعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر:
فيوم علينا ويوم لنا
ويوم نساء ويوم نسر
تأمل حالك في الدنيا تجد أنه لا يمر بك وقت ويكون الصفو فيه دائماً بل لابد من كدر، ولا يكون السرور دائماً بل لابد من حزن، ولا تكون راحة دائماً بل لابد من تعب، فالدنيا على اسمها دنيا. {والآخرة خير وأبقى} الآخرة خير من الدنيا وأبقى، خير بما فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا ينغص بكدر {لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين}[الحجر: ٤٨] . كذلك أيضاً هي أبقى من الدنيا؛ لأن بقاء الدنيا كما أسلفنا قليل زائل مضمحل، بخلاف بقاء الآخرة فإنه أبد الآبدين. {إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى}{إن هذا} أي ما ذكر من كون الإنسان يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة وينسى الآخرة، وكذلك ما تضمنته الآيات من المواعظ {لفي الصحف الأولى} أي السابقة على هذه الأمة {صحف إبراهيم وموسى} وهي صحف جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوب وتصلح به الأحوال، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن أوتي في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، ووقاه الله عذاب النار، إنه جواد كريم.