بنعمة الله لا افتخاراً ثم قال:(ما يصنع أعدائي بي ـ أي شيء يصنعون ـ إن جنتي في صدري ـ أي الإيمان والعلم واليقين ـ وإن حبسي خلوة، ونفيي ـ إن نفوه من البلد ـ سياحة وقتلي شهادة) هذا هو اليقين، هذه الطمأنينة، والإنسان لو دخل الحبس كان يفكر ما مستقبلي، ما مستقبل أولادي، وأهلي، وقومي، وشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ يقول:(جنتي في صدري) وصدق. ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى:{لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى}[الدخان: ٥٦] . يعني في الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، ومعلوم أن الجنة لا موت فها لا أولى ولا ثانية، لكن لما كان نعيم القلب ممتداً من الدنيا إلى دخول الجنة صارت كأن الدنيا والآخرة كلها جنة وليس فيها إلا موتة واحدة. {راضية} بما أعطاك الله من النعيم {مرضية} عند الله عز وجل كما قال تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}[المجادلة: ٢٢] . {فادخلي في عبادي} أي: ادخلي في عبادي الصالحين، من جملتهم، لأن الصالحين من عباد الله الذين أنعم الله عليهم، الذين هم خير طبقات البشر، والبشر طبقاته ثلاث: منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون، وكل هذه الطبقات مذكورة في سورة الفاتحة {اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم. غير المغضوب عليهم ولا الضالين} .
الطبقة الأولى: الذين أنعم الله عليهم وهم: النبيون، والصديقون، والشهداء، والصالحون.
والثانية:{المغضوب عليهم} وهم اليهود وأشباه اليهود من كل من علم الحق وخالفه، فكل من علم الحق وخالفه ففيه شبه من اليهود، كما قال سفيان بن عيينة ـ رحمه الله ـ: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود.