وهنا المتأخر هو الشرط {لئن} والقسم مقدر قبله إذ تقديره: والله لئن لم ينته لنسفعن، ومعنى {لنسفعن} أي لنأخذن بشدة و {الناصية} مقدم الرأس و (الـ) فيها أي: في الناصية للعهد الذهني، والمراد بالناصية هنا ناصية أبي جهل الذي توعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صلاته ونهاه عنها، أي لنسفعن بناصيته، وهل المراد الأخذ بالناصية في الدنيا، أو في الآخرة يجر بناصيته إلى النار؟ يحتمل هذا وهذا، يحتمل أنه يؤخذ بالناصية وقد أخذ بناصيته في يوم بدر حين قتل مع من قتل من المشركين، ويحتمل أن يكون يؤخذ بناصيته يوم القيامة فيقذف في النار كما قال الله تعالى:{يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام}[الرحمن: ٤١] . وإذا كانت الآية صالحة لمعنيين لا يناقض أحدهما الآخر فإن الواجب حملها على المعنيين جميعاً كما هو المعروف والذي قررناه سابقاً وهو أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فالواجب الأخذ بالمعنيين جميعاً. قوله تعالى:{ناصية كاذبة خاطئة} ناصية بدل من الناصية الأولى، وهي بدل نكرة من معرفة، وهي جائزة في اللغة العربية وإنما قال:{ناصية} من أجل أن يكون ذلك توطئة للوصف الآتي بعدها وهو قوله {كاذبة خاطئة}{كاذبة} أي أنها موصوفة بالكذب، ولا شك أن من أكبر ما يكون كذباً ما يحصل من الكفار الذين يدعون أن مع الله ألهة أخرى، فإن هذا أكذب القول وأقبح الفعل، {خاطئة} أي مرتكبة للخطأ عمداً، وليعلم أن هناك فرقاً بين خاطىء ومخطىء، الخاطىء من ارتكب الخطأ عمداً، والمخطىء من ارتكبه جهلاً، والثاني معذور، والأول غير معذور، قال الله تبارك وتعالى:{لا يأكله إلا الخاطئون}[الحاقة: ٣٧] .