للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:
مسار الصفحة الحالية:

وللإنصاف لهم شبه دليل: بقول أنس-رضي الله عنه- " وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِه" [صحيح البخاري ١/ ١٨٥].

والجواب: ما قاله الحفاظ والشُّراح ومن نقلوا هذا الحديث

• قال العلامة التهانوي في كتابه العظيم "إعلاء السنن" (١): بعد ذكره لقول أنس-رضي الله عنه- "وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه" قال: "ولو حُمل الإلزاقُ على الحقيقة فالمرادُ منه إحداثُه وقتَ الإقامة لتسوية الصف، فإن إحداثَ الإلزاق بين تلك الأعضاءِ طريقُ تحصيل هذه التسوية، ولا دلالةَ في الحديث على إبقائه في الصلاة بعْدَ الشروع فيها، ومن ادَّعَى ذلك فليأتِ بحجةٍ عليه"

• وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري (٢): "المرادُ بذلك المبالغةُ في تعديل الصف وسدِّ خلله" ا. هـ.

يعني: لا على الحقيقة والظاهر، أي: أنهم تراصَّوا في الصفوف حتى لكأنهم ألزَقوا الكعبين بالكعبين ..

وأخيراً: يكفي قول أنس في رواية ذكرها ابن حجر .. قال: "ولو فعَلْتَ ذلك بأحدهم اليومَ لنَفَر. . . " [*]، وفيه دليل صريح أن أنساً قد ترَك فِعْلَ ذلك في عهد التابعين؛ لقوله: " ولو فعَلْت "؛ لأن "لو" حرفُ امتناعٍ لامتناعٍ، أي: أنه امتنَع عن إلصاق كعبيه خشيةَ أن يَنفرَ المصلي المجاوِرُ ويُبعِدَ قدمَه، ولو اعتَقد أنسٌ أن إلزاقَ الكعبين سنةٌ مقصودةٌ بذاتها من سنن الصلاة لمَا ترَكَه مطلقاً، وقد تركَ ذلك لأجْل خشية الخوف من نفور المصلي الذي بجواره.

ومن همّه - فقط - تقريب الأقدام أو مباعدة السيقان فلن يخشع قلبه للدَّيان، فقد غرق في تفاصيل الشكل وغاب عنه مضمون الصلاة وهو الأصل.

وكتبه

محمد مهدي نذير قشلان

رجاء دعوة صالحة

١٤٣٤ هـ - ٢٠١٣ م


(١) إعلاء السنن ٤/ ٣١٩.
(٢) فتح الباري ٢/ ٢١١.

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: قال الحافظ في الفتح: «وأخرجه الإسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ قال أنس فلقد رأيت أحدنا إلخ وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته وزاد معمر في روايته ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس» [«فتح الباري لابن حجر» (٢/ ٢١١)]

<<  <