وَعِبَادَتُكُمَا الصّلِيبَ وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ قَالَا: فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ؟ فَصَمَتَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُجِبْهُمَا
مَا نَزَلَ مِنْ آل عمرَان فيهم
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافُ أَمْرِهِمْ كُلّهِ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا، فَقَالَ جَلّ وَعَزّ {الم اللهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمرَان: ١-٢] فَافْتَتَحَ السّورَةَ بِتَنْزِيهِ نَفْسِهِ عَمّا قَالُوا، وَتَوْحِيدِهِ إيّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ رَدّا عَلَيْهِمْ مَا ابْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْرِ وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ وَاحْتِجَاجًا بِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ لِيُعَرّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ فَقَالَ {الم اللهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ} لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَرِيكٌ فِي أَمْرِهِ {الْحَيّ الْقَيّومُ} الْحَيّ الّذِي لَا يَمُوتُ وَقَدْ مَاتَ عِيسَى وَصُلِبَ فِي قَوْلِهِمْ. وَالْقَيّومُ الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ عَنْ مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ {نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ} أَيْ بِالصّدْقِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ {وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ
ــ
تَأْوِيلُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ
فَصْلٌ وَذَكَرَ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَفَسّرَ مِنْهُ كَثِيرًا، فَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمرَان: ٧] وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ إلّا تَأْوِيلًا وَاحِدًا، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ أَحَكَمْت الْفَرَسَ بِحَكَمَتِهِ أَيْ مَنَعْته مِنْ الْعُدُولِ عَنْ طَرِيقِهِ كَمَا قَالَ حَسّانُ
وَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا
أَيْ نُلْجِمُهُ فَنَمْنَعُهُ وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الْمُحْكَمَةُ لَا تُتَصَرّفُ بِقَارِئِهَا التّأْوِيلَاتُ وَلَا تَتَعَارَضُ عَلَيْهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ الْحِكْمَةِ لِأَنّ الْقُرْآنَ كُلّهُ حِكْمَةٌ وَعِلْمٌ. وَالْمُتَشَابِهُ يَمِيلُ بِالنّاظِرِ فِيهِ إلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ وَطُرُقٍ مُتَبَايِعَةٍ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود:١] هَذَا مِنْ الْحِكْمَةِ وَمِنْ الْإِحْكَامِ الّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute