للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِنْجِيلَ} التّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، كَمَا أَنَزَلَ الْكُتُبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} وَالْإِنْجِيلَ أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْزَابُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ {إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} أَيْ إنّ اللهَ مُنْتَقِمٌ مِمّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا، وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا: {إِنّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السّمَاءِ} أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى، إذْ جَعَلُوهُ إلَهًا وَرَبّا، وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ غِرّةً بِاَللهِ وَكُفْرًا بِهِ {هُوَ الّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} أَيْ قَدْ كَانَ عِيسَى مِمّنْ صُوّرَ فِي الْأَرْحَامِ لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ كَمَا صُوّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا، وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ؟ ثُمّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمّا جَعَلُوا مَعَهُ {لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ الْحَكِيمُ فِي حُجّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ {هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ} فِيهِنّ حُجّةُ الرّبّ وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ لَيْسَ لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ ابْتَلَى اللهُ فِيهِنّ الْعِبَادُ كَمَا ابْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَلّا يُصْرَفْنَ إلَى الْبَاطِلِ وَلَا يُحَرّفْنَ عَنْ الْحَقّ. يَقُولُ عَزّ وَجَلّ {فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أَيْ مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى {فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أَيْ مَا تَصَرّفَ مِنْهُ لِيُصَدّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا

ــ

هُوَ الْإِتْقَانُ فَالْقُرْآنُ كُلّهُ مُحْكَمٌ عَلَى هَذَا، وَهُوَ كُلّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُتَشَابِهٌ أَيْضًا، لِأَنّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي بَرَاعَةِ اللّفْظِ وَإِعْجَازِ النّظْمِ وَجَزَالَةِ الْمَعْنَى، وَبَدَائِعِ الْحِكْمَةِ فَكُلّهُ مُتَشَابِهٌ وَكُلّهُ مُحْكَمٌ وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوّلِ {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمرَان:٧] فَأَهْلُ الزّيْغِ يَعْطِفُونَ الْمُتَشَابِهَ عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَيُجَادِلُونَ بِهِ عَنْ آرَائِهِمْ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَرُدّونَ الْمُتَشَابِهَ إلَى الْمُحْكَمِ أَيْضًا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّسَاء:٥٩] وَعِلْمًا بِأَنّ الْكُلّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا. رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>