للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ تَمَسّحَ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ فَلَمّا بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ مُحَمّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتّوْحِيدِ قَالَتْ قُرَيْشٌ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٥] وَكَانَتْ الْعَرَبُ قَدْ اتّخَذَتْ مَعَ الْكَعْبَةِ طَوَاغِيتَ وَهِيَ بُيُوتٌ تُعَظّمُهَا كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ، لَهَا سَدَنَةٌ وَحِجَابٌ وَتُهْدِي لَهَا كَمَا تُهْدِي لِلْكَعْبَةِ وَتَطُوفُ بِهَا كَطَوَافِهَا بِهَا وَتَنْحَرُ عِنْدَهَا، وَهِيَ تَعْرِفُ فَضْلَ الْكَعْبَةِ عَلَيْهَا ; لِأَنّهَا كَانَتْ قَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا بَيْتُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ومسجده.

الْعُزَّى وسدنتها:

فَكَانَتْ لِقُرَيْشِ وَبَنِيّ كِنَانَةَ: الْعُزّى بِنَخْلَةَ١، وَكَانَ سَدَنَتَهَا وَحُجّابَهَا بَنُو شَيْبَانَ مِنْ سُلَيْمٍ، حُلَفَاءُ بَنِي هَاشِمٍ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُلَفَاءُ بَنِي أَبِي طَالِبٍ خَاصّةً وَسُلَيْمٌ سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصْفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ:

لَقَدْ أُنْكِحَتْ أَسْمَاءُ رَأْسَ بُقَيْرَةٍ ... مِنْ الْأُدْمِ أَهْدَاهَا امْرِئِ مِنْ بَنِي غَنْمِ

رَأَى قَدَعًا فِي عَيْنِهَا إذْ يَسُوقُهَا ... إلَى غَبْغَبِ الْعُزّى فَوَسّعَ فِي الْقَسْمِ

ــ

رَأَى قَدَعًا فِي عَيْنِهَا. وَالْقَدَعُ: ضَعْفُ الْبَصَرِ مِنْ إدْمَانِ النّظَرِ.

وَقَوْلُهُ فِي الْغَبْغَبِ: وَهُوَ الْمَنْحَرُ٢ وَمَرَاقّ الدّمِ كَانَهُ سُمّيَ بِحِكَايَةِ صَوْتِ الدّمِ عِنْدَ انْبِعَاثُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ قَوْلِهِمْ بِئْرٌ بُغْبُغٌ وَبُغَيْبِغٌ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةَ الْمَاءِ. قَالَ الرّاجِزُ بُغَيْبِغٌ قَصِيرَةُ الرّشَاءِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِعَيْنِ أَبِي نَيْزَرٍ الْبُغَيْبِغَةُ. وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ الذّمّ وَتَشْبِيهُ هَذَا الْمَهْجُوّ بِرَأْسِ بَقَرَةٍ قَدْ قَرُبَتْ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهَا، فَلَا تَصْلُحُ إلّا لِلذّبْحِ وَالْقَسْمِ.


١ هِيَ نَخْلَة الشامية، وَكَانَت الْعُزَّى بواد مِنْهَا، يُقَال لَهَا الحرض، وَقد حمت قُرَيْش الْعُزَّى شعبًا من وَاد الحراض، يُقَال لَهُ: سقام, يضاهون بِهِ حرم مَكَّة.
٢ قيل: كَانَ لمتعب بن قيس بَيت كَانُوا يحجون إِلَيْهِ يُقَال لَهُ: الغبغب.

<<  <  ج: ص:  >  >>