للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْعَرَبِ، حَتّى جَرَى الْمَثَلُ تَجُوعُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا١، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِهِنّ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ كَانَتْ حَلِيمَةُ وَسِيطَةً فِي بَنِي سَعْدٍ، كَرِيمَةً مِنْ كَرَائِمِ قَوْمِهَا، بِدَلِيلِ اخْتِيَارِ اللهِ - تَعَالَى - إيّاهَا لِرَضَاعِ نَبِيّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَارَ لَهُ أَشْرَفَ الْبُطُونِ وَالْأَصْلَابِ. وَالرّضَاعُ كَالنّسَبِ لِأَنّهُ يُغَيّرُ الطّبَاعَ. فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – تَرْفَعُهُ"لَا تَسْتَرْضِعُوا الْحَمْقَى ; فَإِنّ اللّبَنَ يُورِثُ" وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَلِيمَةُ وَنِسَاءُ قَوْمِهَا طَلَبْنَ الرّضَعَاءَ اضْطِرَارًا لِلْأَزْمَةِ الّتِي أَصَابَتْهُمْ وَالسّنَةِ الشّهْبَاءِ الّتِي اقْتَحَمَتْهُمْ.

لِمَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَدْفَعُ أَوْلَادَهَا إلَى الْمَرَاضِعِ؟

وَأَمّا دَفْعُ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ أَوْلَادَهُمْ إلَى الْمَرَاضِعِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِوُجُوهِ. أَحَدُهَا: تَفْرِيغُ النّسَاءِ إلَى الْأَزْوَاجِ كَمَا قَالَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِأُمّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وَكَانَ أَخَاهَا مِنْ الرّضَاعَةِ حِينَ انْتَزَعَ مِنْ حِجْرِهَا زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ دَعِي هَذِهِ الْمَقْبُوحَةَ الْمَشْقُوحَةَ٢ الّتِي آذَيْت بِهَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَيْضًا لِيَنْشَأَ الطّفْلُ فِي الْأَعْرَابِ، فَيَكُونَ أَفْصَحَ لِلِسَانِهِ وَأَجْلَدَ لِجِسْمِهِ وَأَجْدَرَ أَنْ لَا يُفَارِقَ الْهَيْئَةَ الْمَعَدّيّةَ٣ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تَمَعْدَدُوا وَتَمَعْزَزُوا٤ وَاخْشَوْشِنُوا [رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ] .

وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السّلَامُ - لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حِينَ قَالَ لَهُ "مَا رَأَيْت أَفْصَحَ مِنْك يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: "وَمَا


١ رِوَايَته: تجوع الْحرَّة وَلَا تَأْكُل بثدييها، أَي: لَا تكون ظِئْرًا، وَإِن آذاها الْجُوع، وَأول من قَالَه: الْحَارِث بن سليل الْأَسدي. انْظُر "مجمع الْأَمْثَال للميداني".
٢ المشقوحة: الْمَكْسُورَة أَو المبعدة، من الشقح، وَهُوَ الْكسر أَو الْبعد، ومشقوحة اتِّبَاع لمقبوحة.
٣ نِسْبَة إِلَى قوم معد، أَي: تصلبوا وتشبهوا بمعدة.
٤ وتمعززوا: تعزز لَحْمه: اشْتَدَّ وصلب، وتمعز الْبَعِير: اشْتَدَّ عدوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>