للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَفْظِ الذّهَبِ فَمُطَابِقٌ لِلْإِذْهَابِ فَإِنّ اللهَ - عَزّ وَجَلّ - أَرَادَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُ الرّجْسَ وَيُطَهّرَهُ تَطْهِيرًا، وَإِنْ نَظَرْت إلَى مَعْنَى الذّهَبِ وَأَوْصَافِهِ وَجَدْته أَنْقَى شَيْءٍ وَأَصْفَاهُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ أَنْقَى مِنْ الذّهَبِ. وَقَالَتْ بَرِيرَةُ فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – "مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا إلّا مَا يَعْلَمُ الصّائِغُ عَلَى الذّهَبِ الْأَحْمَرِ" وَقَالَ حُذَيْفَةُ فِي صِلَةِ بْنِ أَشْيَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إنّمَا قَلْبُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ: إنّهُ لَرَجُلٌ مِنْ ذَهَبٍ يُرِيدُونَ النّقَاءَ مِنْ الْعُيُوبِ فَقَدْ طَابَقَ طَسْتَ الذّهَبِ مَا أُرِيدَ بِالنّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَقَاءِ قَلْبِهِ. وَمِنْ أَوْصَافِ الذّهَبِ أَيْضًا الْمُطَابِقَةِ لِهَذَا الْمَقَامِ ثِقَلُهُ وَرُسُوبُهُ فَإِنّهُ يُجْعَلُ فِي الزّيبَقِ الّذِي هُوَ أَثْقَلُ الْأَشْيَاءِ فَيَرْسُبُ وَاَللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [الْمُزّمّلَ: ٥] .

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – "إنّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ الْمُحِقّينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِاتّبَاعِهِمْ الْحَقّ وَحُقّ لِمِيزَانِ لَا يُوضَعُ فِيهِ إلّا الْحَقّ أَنْ يَكُون ثَقِيلًا، وَقَالَ فِي أَهْلِ الْبَاطِلِ بِعَكْسِ هَذَا" وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ فَثَقُلَ عَلَيْهَا حَتّى سَاخَتْ قَوَائِمُهَا فِي الْأَرْضِ فَقَدْ تَطَابَقَتْ الصّفَةُ الْمَعْقُولَةُ وَالصّفَة الْمَحْسُوسَةُ. وَمِنْ أَوْصَافِ الذّهَبِ أَيْضًا أَنّهُ لَا تَأْكُلُهُ النّارُ وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لَا تَأْكُلُ النّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَلْبًا وَعَاهُ وَلَا بَدَنًا عَمِلَ بِهِ قَالَ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – "لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إهَابٍ ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ مَا احْتَرَقَ" ١ وَمِنْ أَوْصَافِ الذّهَبِ الْمُنَاسِبَةِ لِأَوْصَافِ الْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ أَنّ الْأَرْضَ لَا تُبْلِيهِ وَأَنّ الثّرَى لَا يَذْرِيهِ وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرّدّ وَلَا يُسْتَطَاعُ تَغْيِيرُهُ وَلَا تَبْدِيلُهُ وَمِنْ أَوْصَافِهِ أَيْضًا: نَفَاسَتُهُ وَعِزّتُهُ عِنْدَ النّاسِ وَكَذَلِكَ الْحَقّ وَالْقُرْآنُ عَزِيزٌ قَالَ سُبْحَانَهُ {وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فُصّلَتْ: ٤١] . فَهَذَا إذَا نَظَرْت إلَى أَوْصَافِهِ وَلَفْظِهِ وَإِذَا نَظَرْت إلَى ذَاتِهِ وَظَاهِرِهِ فَإِنّهُ زُخْرُفُ الدّنْيَا وَزِينَتُهَا، وَقَدْ فُتِحَ بِالْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ عَلَى مُحَمّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمّتِهِ خَزَائِنُ الْمُلُوكِ وَتَصِيرُ إلَى أَيْدِيهِمْ ذَهَبُهَا وَفِضّتُهَا، وَجَمِيعُ زُخْرُفِهَا وَزِينَتِهَا، ثُمّ


١ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَفِي "الْجَامِع" للسيوطي أَنه ضَعِيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>