. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَمّا فِي الثّانِيَةِ فَقَدْ كَانَ مُوقِنًا مُنَبّئًا، فَإِنّمَا طُهّرَ لِمَعْنَى آخَرَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دُخُولِ حَضْرَةِ الْقُدُسِ وَالصّلَاةِ فِيهَا، وَلِقَاءِ الْمَلِكِ الْقُدّوسِ فَغَسَلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ بِمَاءِ زَمْزَمَ الّتِي هِيَ هَزْمَةُ رُوحِ الْقُدُسِ، وَهَمْزَةُ١ عَقِبِهِ لِأَبِيهِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ - وَجِيءَ بِطَسْتِ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأُفْرِغَ فِي قَلْبِهِ وَقَدْ كَانَ مُؤْمِنًا، وَلَكِنّ اللهَ تَعَالَى قَالَ {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الْفَتْحَ: ٤] وَقَالَ {وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [الْمُدّثّرَ: ٣١] .
فَإِنْ قِيلَ وَكَيْفَ يَكُونُ الْإِيمَانُ وَالْحِكْمَةُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَالْإِيمَانُ عَرَضٌ وَالْأَعْرَاضُ لَا يُوصَفُ بِهَا إلّا مَحَلّهَا الّذِي تَقُومُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الِانْتِقَالُ لِأَنّ الِانْتِقَالَ مِنْ صِفَةِ الْأَجْسَامِ لَا مِنْ صِفَةِ الْأَعْرَاضِ؟ قُلْنَا:
إنّمَا عَبّرَ عَمّا كَانَ فِي الطّسْتِ بِالْحِكْمَةِ وَالْإِيمَانِ كَمَا عَبّرَ عَنْ اللّبَنِ الّذِي شَرِبَهُ وَأَعْطَى فَضْلَهُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِالْعِلْمِ فَكَانَ تَأْوِيلُ مَا أُفْرِغَ فِي قَلْبِهِ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَلَعَلّ الّذِي كَانَ فِي الطّسْتِ كَانَ ثَلْجًا وَبَرَدًا - كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوّلِ - فَعَبّرَ عَنْهُ فِي الْمَرّةِ الثّانِيَةِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ وَعَبّرَ عَنْهُ فِي الْمَرّةِ الْأُولَى بِصُورَتِهِ الّتِي رَآهَا، لِأَنّهُ فِي الْمَرّةِ الْأُولَى كَانَ طِفْلًا، فَلَمّا رَأَى الثّلْجَ فِي طَسْتِ الذّهَبِ اعْتَقَدَهُ ثَلْجًا، حَتّى عَرَفَ تَأْوِيلَهُ بَعْدُ. وَفِي الْمَرّةِ الثّانِيَةِ كَانَ نَبِيّا، فَلَمّا رَأَى طَسْتَ الذّهَبِ مَمْلُوءًا ثَلْجًا عَلِمَ التّأْوِيلَ لِحِينِهِ وَاعْتَقَدَهُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَكَانَ لَفْظُهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادِهِ فِي الْمَقَامَيْنِ.
مُنَاسَبَةُ الذّهَبِ لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ:
وَكَانَ الذّهَبُ فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى الّذِي قُصِدَ بِهِ. فَإِنْ نَظَرْت إلَى
١ هزم الْبِئْر: حفرهَا، والهمزة: النقرة، وَسَيَأْتِي بَيَان أَن الصَّلَاة كَانَت مَفْرُوضَة قبل الْإِسْرَاع بِنَصّ الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَقَوله: كَأَنِّي أعاين الْأَمر مُعَاينَة، يُؤَكد أَنه رُؤْيا منامية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute