السّورَةَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بِحَمْدِهِ وَذِكْرِ نُبُوّةِ رَسُولِهِ لِمَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ {الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ} [الْكَهْفِ: ١ - ٢٦] يَعْنِي: مُحَمّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّك رَسُولٌ مِنّي: أَيْ تَحْقِيقٌ لِمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ نُبُوّتِك. {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيّمًا} أَيْ مُعْتَدِلًا، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ. {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} أَيْ عَاجِلَ عُقُوبَتِهِ فِي الدّنْيَا، وَعَذَابًا أَلِيمًا فِي الْآخِرَةِ مِنْ عِنْدِ رَبّك الّذِي بَعَثَك رَسُولًا. {وَيُبَشّرَ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} أَيْ دَارُ الْخُلْدِ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا الّذِينَ صَدّقُوك بِمَا جِئْت بِهِ مِمّا كَذّبَك بِهِ غَيْرُهُمْ وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرْتهمْ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ. {وَيُنْذِرَ الّذِينَ قَالُوا اتّخَذَ اللهُ وَلَدًا} يَعْنِي: قُرَيْشًا فِي قَوْلِهِمْ إنّا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَهِيَ بَنَاتُ اللهِ. {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ} الّذِينَ أَعْظَمُوا فِرَاقَهُمْ وَعَيْبِ دِينِهِمْ. {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} أَيْ لِقَوْلِهِمْ إنّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللهِ. {إِنْ يَقُولُونَ إِلّا كَذِبًا فَلَعَلّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} يَا مُحَمّدٌ {عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} أَيْ لِحُزْنِهِ عَلَيْهِمْ حِينَ فَاتَهُ مَا كَانَ يَرْجُو مِنْهُمْ أَيْ لَا نَفْعَلْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: {بَاخِعٌ نَفْسَكَ} أَيْ مُهْلِكٌ نَفْسَك، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ ذُو الرّمّةِ
أَلَا أَيّهَذَا الْبَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ ... لِشَيْءِ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الْمَقَادِرُ
ــ
بِمِثْلِهَا، وَكَانَ الظّفَرُ لَهُ فَلَمّا ظَفِرُوا رَأَى أَمَلَهُ فِي أَعْدَائِهِ مَا مَلَأَ عَيْنَهُ قُرّةً وَقَلْبَهُ سُرُورًا زَهِدَ فِي الدّنْيَا، وَأَرَادَ السّيَاحَةَ فِي الْأَرْضِ فَتَعَاتّ بِهِ أَبْنَاءُ فَارِسَ، وَحَذّرَتْهُ مِنْ شَتَاتِ الشّمْلِ بَعْدَهُ وَشَمَاتَةِ الْعَدُوّ فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ كَيْ لهراسب، بْنِ كَيْ اجو، بْنِ كَيْ كِينَةَ بْنِ كَيْ قاووس الْمُتَقَدّمُ ذِكْرُهُ وَلَا أَدْرِي: هَلْ رُسْتُمُ الّذِي قَتَلَهُ إسفندياذ هُوَ رُسْتُمُ صَاحِبُ كَيْ قاووس، أَمْ غَيْرُهُ وَالظّاهِرُ أَنّهُ لَيْسَ بِهِ لِأَنّ مُدّةَ مَا بَيْنَ كَيْ قاووس وَكَيْ يستاسب بَعِيدَةٌ جِدّا، وَأَحْسَبُهُ كَمَا قَدّمْنَا أَنّهُ كَانَ مِنْ التّرْكِ، وَهَذَا كُلّهُ كَانَ فِي مُدّةِ الْكِينِيّةِ وَعِنْدَ اشْتِغَالِهِمْ بِقِتَالِ التّرْكِ اسْتَعْمَلُوا بُخْتَنَصّرَ الْبَابِلِيّ عَلَى الْعِرَاقِ، فَكَانَ مِنْ أُمُورِهِ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَإِثْخَانِهِ فِيهِمْ وَهَدْمِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِحْرَاقِهِ لِلتّوْرَاةِ وَقَتْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute