للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنّ تَكُ كَانَتْ فِي عَدِيّ أَمَانَةٌ ... عَدِيّ بْنِ سَعْدٍ عَنْ تُقًى، أَوْ تَوَاصُلِ

فَقَدْ كُنْت أَرْجُو أَنّ ذَلِكَ فِيكُمْ ... بِحَمْدِ الّذِي لَا يُطّبَى بِالْجَعَائِلِ

وَبَدّلْت شِبْلًا شِبْلَ كُلّ خَبِيثَةٍ ... بِذِي فَجْرٍ مَأْوَى الضّعَافِ الْأَرَامِلِ

ــ

مَنْصُوبًا فِي الْمَعْنَى، وَلَوْ جِئْت بِالْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ اسْمٌ مَحْضٌ نَحْوُ الْقِيَامُ وَالْعِلْمُ لَمْ يَصِحّ إضْمَارُ هَذَا الْفِعْلِ لِأَنّ أَجْدَرَ وَأَحَقّ وَنَحْوَهُمَا اسْمَانِ يُضَافَانِ إلَى مَا بَعْدَهُمَا، فَلَوْ جِئْت بِالْقِيَامِ بَعْدَ قَوْلِك أَحَقّ فَقُلْت: أَحَقّ قِيَامُك، لَانْقَلَبَ الْمَعْنَى.

وَلَوْ نَصَبْته بِإِضْمَارِ الْفِعْلِ الّذِي أَضْمَرْت مَعَ أَنّ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنّ الِاسْمَ يَطْلُبُ الْإِضَافَةَ فَيُمْنَعُ مِنْ الْإِضْمَارِ وَالنّصَبِ وَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَطْلُبْ الْإِضَافَةَ لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ امْتِنَاعِ إضَافَةِ الْأَسْمَاءِ إلَيْهَا، وَإِنّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْمَذْهَب، وَآثَرْنَاهُ عَلَى مَا تَقَدّمَ مِنْ إضْمَارِ الْخَافِضِ لِأَنَا قَدْ نَجِدُهَا فِي مَوَاضِعَ مَجْرُورَةٍ وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ كَقَوْلِك: سِرْ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشّمْسُ وَلَا يَجُوزُ إضْمَارٌ إلَى هَهُنَا، وَكَذَلِكَ تَقُولُ هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا إضْمَارُ مِنْ وَلَوْ كَانَ حَرْفُ الْجَرّ مَعَهَا لِلْعِلّتَيْنِ المتقدمتين لَاطّرَدَ جَوَازُ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنّمَا هِيَ أَبَدًا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حَرْفُ الْجَرّ ظَاهِرًا مَفْعُولَةً بِفِعْلِ مُضْمَرٍ وَقَدْ تَكُونُ فَاعِلَةً وَلَكِنْ بِفِعْلِ ظَاهِرٍ نَحْوُ يُعْجِبنِي أَنْ تَقُومَ وَأَمّا خَرَجْت أَنْ أَرَى زَيْدًا فَعَلَى إضْمَارِ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ كَأَنّك أَرَدْت: أَنْ أَرَاهُ أَوْ أَنْ لَا أَرَاهُ لِأَنّ كُلّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا، فَقَدْ أَرَادَ بِهِ أَمْرًا مَا، لَكِنّك إنْ جَعَلْت مَكَانَهَا الْمَصْدَرَ لَمْ يَجُزْ الْإِضْمَارُ أَوْ قُبّحَ لِأَنّ الْمَصْدَرَ تَعْمَلُ فِيهِ الْأَفْعَالُ الظّاهِرَةُ إذَا كَانَتْ مُتَعَدّيَةً وَتَصِلُ إلَيْهِ بِحَرْفِ جَرّ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَدّيَةً وَأَنّ مَعَ الْفِعْلِ لَا تَعْمَلُ فِيهَا الْحَوَاسّ وَلَا أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ الظّاهِرَةِ تَقُولُ رَأَيْت قِيَامَ زَيْدٍ وَلَا تَقُولُ أَنْ يَقُومَ وَسَمِعْت كَلَامَك، وَلَا تَقُولُ سَمِعْت أَنْ تَتَكَلّمَ وَإِنّمَا يَتَعَلّقُ بِهَا، وَتَعْمَلُ فِيهَا الْأَفْعَالُ الْبَاطِنَةُ نَحْوُ خِفْت وَاشْتَهَيْت وَكَرِهْت، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَإِذَا سَمِعَ الْمُخَاطَبُ أَنّ مَعَ الْفِعْلِ لَمْ يَذْهَبْ وَهْمُهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ إلّا إلَى هَذِهِ الْمَعَانِي، فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَذَاكَ وَإِلّا اعْتَقَدْنَا أَنّهَا مُضْمَرَةً وَأَنّ الْفِعْلَ الظّاهِرَ دَالّ عَلَيْهَا. وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ لَيْسَ كَذَلِكَ إذَا وَقَعَ قَبْلَهَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>