للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَلَسَ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَعْرَى: وَاَللهِ مَا قَامَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لَابْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ آنِفًا وَمَا قَعَدَ وَقَدْ زَعَمَ مُحَمّدٌ أَنّا وَمَا نَعْبُدُ مِنْ آلِهَتِنَا هَذِهِ حَصَبُ جَهَنّمَ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى: أَمَا وَاَللهِ لَوْ وَجَدْته لَخَصَمْته، فَسَلُوا مُحَمّدًا: أَكُلّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ فِي جَهَنّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ؟ فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَالْيَهُودَ تَعْبُدُ عُزَيْرًا وَالنّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ فَعَجِبَ الْوَلِيدُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَعْرَى، وَرَأَوْا أَنّهُ قَدْ احْتَجّ وَخَاصَمَ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الزّبَعْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كُلّ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَعْبُدَ مِنْ دُونِ اللهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ إنّهُمْ إنّمَا يَعْبُدُونَ الشّيَاطِينَ وَمَنْ أَمَرَتْهُمْ بِعِبَادَتِهِ" فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ {إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الْأَنْبِيَاءُ ١٠١، ١٠٢] : أَيْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَعُزَيْرًا، وَمَنْ عَبَدُوا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ الّذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللهِ فَاِتّخَذَهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضّلَالَةِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ.

وَنَزَلَ فِيمَا يَذْكُرُونَ أَنّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَأَنّهَا بَنَاتُ اللهِ {وَقَالُوا اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الْأَنْبِيَاءُ ٢٦، ٢٧] . إلَى قَوْلِهِ {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ} [الْأَنْبِيَاءُ ٢٩] .

ــ

الْمَسِيحَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الْأَنْبِيَاء ١٠١] الْآيَةَ قَالَ الْمُؤَلّفُ وَلَوْ تَأَمّلَ ابْنُ الزّبَعْرَى وَغَيْرُهُ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ الْآيَةَ لَرَأَى اعْتِرَاضَهُ غَيْرَ لَازِمٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنّهُ خِطَابٌ مُتَوَجّهٌ عَلَى الْخُصُوصِ لِقُرَيْشِ وَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ وَقَوْلُهُ إنّا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ حَيْدَةً وَإِنّمَا وَقَعَ الْكَلَامُ والمحاجة فِي اللات وَالْعُزّى وَهُبَلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَامِهِمْ.

وَالثّانِي: أَنّ لَفْظَ التّلَاوَةِ {إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [الانبياء: ٩٨] وَلَمْ يَقُلْ وَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>