وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ أَنْ أُكَلّمَك - وَاسْتَغْلَظَ مِنْ الْيَمِينِ - إنْ أَنْتَ جَلَسْت إلَيْهِ أَوْ سَمِعْت مِنْهُ أَوْ لَمْ تَأْتِهِ فَتَتْفُلَ فِي وَجْهِهِ. فَفَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَدُوّ اللهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُ اللهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمَا: {وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلًا} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الْفُرْقَانُ: ٢٧ - ٢٩] .
وَمَشَى أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ إلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَظْمِ بَالٍ قَدْ ارْفَتّ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنْ يُبْعَثَ هَذَا بَعْدَ مَا أَرِمَ ثُمّ فَتّهُ بِيَدِهِ ثُمّ نَفَخَهُ فِي الرّيحِ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – "نَعَمْ أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ، يَبْعَثُهُ الله وَإِيَّاك بعد مَا تَكُونَانِ هَكَذَا، ثُمّ يُدْخِلُك اللهُ النّارَ". فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الّذِي أَنْشَأَهَا أَوّلَ مَرّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: ٧٩، ٨٠] .
سَبَب نزُول سُورَة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
وَاعْتَرَضَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ - فِيمَا بَلَغَنِي - الْأَسْوَدُ بْنُ
ــ
{قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ}
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَهُمْ الّذِي أَنَزَلَ اللهُ فِيهِ {قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ} إلَى آخِرِهَا فَقَالَ {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الْكَافِرُونَ:٢] أَيْ فِي الْحَالِ {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} [الْكَافِرُونَ:٤] أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَلِكَ {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الْكَافِرُونَ:٥] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَقُولُ لَهُمْ {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وَهُمْ قَدْ قَالُوا: هَلُمّ فَلْنَعْبُدْ رَبّك، وَتَعْبُدُ رَبّنَا، كَيْفَ نَفَى عَنْهُمْ مَا أَرَادُوا وَعَزَمُوا عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّهُ عَلِمَ أَنّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ فَأَخْبَرَ بِمَا عَلِمَ. الثّانِي: أَنّهُمْ لَوْ عَبَدُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي قَالُوهُ مَا كَانَتْ عِبَادَةً وَلَا يُسَمّى عَابِدًا لِلّهِ مَنْ عَبَدَهُ سَنَةً وَعَبَدَ غَيْرَهُ أُخْرَى، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الْكَافِرُونَ:٥] وَلَمْ يَقُلْ مَنْ أَعْبُدُ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيّةِ إنّ مَا تَقَعُ عَلَى مَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute