للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ فِي قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ هَلُمّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ فَنَشْتَرِكَ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ الّذِي تَعْبُدُ خَيْرًا مِمّا نَعْبُدُ كُنّا قَدْ أَخَذْنَا بِحَظّنَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَا نَعْبُدُ خَيْرٌ مِمّا تَعْبُدُ كُنْت قَدْ أَخَذْت بِحَظّك مِنْهُ

ــ

يَعْقِلُ فَكَيْفَ عَبّرَ بِهَا عَنْ الْبَارِي تَعَالَى؟ فَالْجَوَابُ أَنّا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا قَبْلُ أَنّ مَا قَدْ تَقَعُ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ بِقَرِينَةِ فَهَذَا أَوَانُ ذِكْرِهَا، وَتِلْكَ الْقَرِينَةُ الْإِبْهَامُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التّعْظِيمِ وَالتّفْخِيمِ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْإِبْهَامِ لِأَنّ مَنْ جَلّتْ عَظَمَتُهُ حَتّى خَرَجَتْ عَنْ الْحَصْرِ، وَعَجَزَتْ الْأَفْهَامُ عَنْ كُنْهُ ذَاتِهِ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ هُوَ مَا هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: سُبْحَانَ مَا سَبّحَ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ {وَالسّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشَّمْس:٥] فَلَيْسَ كَوْنُهُ عَالِمًا مِمّا يُوجِبُ لَهُ مِنْ التّعْظِيمِ مَا يُوجِبُ لَهُ أَنّهُ بَنَى السّمَوَاتِ وَدَحَا الْأَرْضَ فَكَانَ الْمَعْنَى: إنّ شَيْئًا بَنَاهَا لَعَظِيمٌ أَوْ مَا أَعْظَمَهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَفْظُ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُؤْذِنُ بِالتّعَجّبِ مِنْ عَظَمَتِهِ كَائِنًا مَا كَانَ هَذَا الْفَاعِلُ لِهَذَا، فَمَا أَعْظَمَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصّةِ آدَم: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] وَلَمْ يَقُلْ لِمَنْ خَلَقْت، وَهُوَ يَعْقِلُ لِأَنّ السّجُودَ لَمْ يَجِبْ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ يَعْقِلُ وَلَا مِنْ حَيْثُ كَانَ لَا يَعْقِلُ وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ أُمِرُوا بِالسّجُودِ لَهُ فَكَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مَا أُمِرُوا بِهِ فَمِنْ هَاهُنَا حَسُنَتْ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا مِنْ جِهَةِ التّعْظِيمِ لَهُ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْأَمْرُ مِنْ السّجُودِ لَهُ فَكَائِنًا مَنْ كَانَ وَأَمّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الْكَافِرُونَ:٢] فَوَاقِعَةٌ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ لِأَنّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَقَوْلُهُ {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الْكَافِرُونَ:٣] اقْتَضَاهَا الْإِبْهَامُ وَتَعْظِيمُ الْمَعْبُودِ مَعَ أَنّ الْحِسّ مِنْهُمْ مَانِعٌ لَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا مَعْبُودَهُ كَائِنًا مَا كَانَ فَحَسُنَتْ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ فَبِهَذِهِ الْقَرَائِنِ يَحْسُنُ وُقُوعُ مَا عَلَى أُولِي الْعِلْمِ وَبَقِيَتْ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ يَتَعَيّنُ التّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} [الْكَافِرُونَ:٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>