يقول الله تبارك وتعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ... [سورة التغابن الآية ١١] . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما:(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه) ، وفي حديث آخر من رواية صهيب رضي الله عنه قال:(عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) .
الصبر في قمة الأعمال الصالحة التي وعد الله عليها بالثواب الوافر {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا}[سورة الفرقان الآية ٧٥] .
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[سورة يوسف الآية ٩٠] . ... {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}[سورة الإنسان الآية ١٢] وأصبر الناس على بلاء الله هم الأنبياء {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[سورة الأحقاف الآية ٣٥] .
لأنه في مواقف الضيق والحرج يمتحن الإيمان، وتظهر للناس خبيئته، حيث تتجرع النفس مرارة الألم، وتعبس الدنيا ويكفهر وجهها. هناك تتجلى قيمة الصبر وفضائله، متى استطاع الإنسان بعزيمته الصادقة وتسليمه بقضاء الله، أن يكبح جماح نفسه الشموس، ويأخذ بمجامعها إلى الجادة، فإذا ذاقت حلاوة الصبر وبرد الإيمان، هجعت واطمأنت، وذهب عنها وهج الحزن وكدره، حتى ترجع أصلب ما تكون عودا، وأقوى في مصاولة خطوب الدنيا ونكساتها.
وبهذا الدرع الفريد، يتجاوز المسلم أزماته؛ ليحمل مشعل الحياة الكريمة في دروب الأرض وفجاجها الواسعة، ويقوم بالمهمة التي خلق من أجلها، وليكمل مسيرة الخير تحت راية التوحيد الخالدة، فتتحول المنغصات الخانقة، إلى محرك نشط يدفع بالأمة إلى واجهة التاريخ، ويصقل بخشونته النفوس فتعود أكثر تألقا؛ لتعيش هنيئة راغدة في ظل دوحة الإسلام الوارفة، تتفيا ظلالها وتتقلب في خيراتها.