للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:

قِيلَ: إِنَّ "انْتَحَى" جَوَابُها، وَالوَاوُ زَائِدَةٌ، كَمَا هِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ (١).

وَمَذْهَبُ البَصْرِيِّينُ (٢) أَنَّ الجَوَابَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عِنْدَهُمْ: "نِلْتُ أَمَلِي مِنْهَا". وَكَذَلِكَ فِي الآيَةِ، الجَوَابُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ: "صَادَفُوأ مَا وُعِدُوْا بِهِ"، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الجَوَابَ قَدْ حُذِفَ فِي مَوَاضِعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ (٣) وَلَمْ يَقُلْ: لَكَانَ هَذَا القُرْآنُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

لَوْ قَدْ حَدَاهُنَّ أَبُو الجُودِيِّ (٤)

بِرَجَزٍ مُسْحَنْفِرِ الرَّوِيِّ

مُسْتَوِيَاتٍ كَنَوَى البَرْنِيِّ

أَرَادَ لأَسْرَعْنَ مُسْتَوِيَّاتٍ، فَالوَاوُ عِنْدَهُمْ فِي "انْتَحَى" وَاوُ العَطْفِ.

وَعِنْدَ الكُوفِيينَ زَائِدَةٌ، وَلَا مَوْضِعَ لِقَوْلِهِ: "انْتَحَى" بِحَسَبِ الرَّأْيَيْنِ مَعًا.

وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ يَذْهَبُ فِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَذْهَبًا يُخَالِفُ فيهِ البَصْرِيِّينَ وَالكُوفِيينَ. فَكَانَ يَقُولُ: "تَقْدِيرُ الآيَةِ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾، فَالجَوَابُ عَلَى رَأْيِهِ مَحْذُوفٌ، وَالوَاوُ وَاوُ الحَالِ" (٥).

وَفِي الكَلَامِ "قَدْ" مُضْمَرَةٌ لِتُقَرِّبَ المَاضِيَ مِنَ الحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ


(١) سورة الزمر: الآية ٧٣.
(٢) ينظر: الإنصاف في مسائل الخلاف: ٢/ ٤٥٩؛ الخزانة؛ ١١/ ٤٥ - ٤٦.
(٣) سورة الرعد: الآية ٣٢.
(٤) الأبيات لأبي الجودي الراجز في الخزانة ٧/ ٤٠، ١١/ ٣٢٢. اللسان: (جود - رؤي). معجم شواهد النحو الشعرية: ٢٤٣٠؛ وبلا نسبة في المقتضب: ٢/ ٨١؛ الاقتضاب: ٣/ ٢١٨؛ الضرائر ٢٠٣؛ وأنشده الأصمعي عن خلف الأحمر في ديوان الهذليين: ٢/ ٦٧٦.
(٥) معاني القرآن وإعرابه: ٤/ ٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>