للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وألّف أبو حفص عمر بن محمد القضاعي القرطبي (ت ٥٩٦ هـ) كتابًا سمّاه: "الصواب في شرح أدب الكتاب".

ولم يقف "الانتخاب" عند "أدب الكتاب" فحسب، بل ضاهاه وزاد عليه وجاء بما لم يسبق إليه من حيث مادته العلمية والأدبية، فقد حفل بمجموعة من الكتب والمصنفات، وجمع عددًا من الشواهد القرآنية والحديثية، وجاء سجلًا لتراجم الشعراء والأعلام وأخبارهم، ومعجمًا حافلًا بالألفاظ والغريب ومعانيها ومفرداتها، وديوانًا للأشعار متصلة بظروفها وأخبارها، وجاء بديعًا من حيث تنظيمه لهذا الكم الهائل بترتيب الموضوعات، وطريقة تقديم النقول بالإشارة إلى قائلها أو اختصار أسمائهم وبالإشارة إلى مصادرها.

وهكذا تميّز "الانتخاب" عن باقي شروح "أدب الكتاب" بكونه جاء مستقصيًا وشاملًا للكتاب، في حين وجدنا بعض الشرّاح يقتصر على شرح خطبة "أدب الكتاب" كأبي المبارك بن الفاخر (ت ٥٠٠ هـ)، ومنهم من اقتصر على شرح أبياته كأحمد بن محمد الخارزنجي (ت ٣٤٨ هـ)، ومنهم من ألّف في نقد الكتاب كأبي الحسن محمد بن أحمد بن كيسان (ت ٣٥٨ هـ).

أما قيمة الشرح التاريخية من حيث الزمان والبيئة فتتجلى في كونه آخر شروح "أدب الكتاب"، فهو من مؤلفات القرن السادس الهجري الذي عرف فيه الغرب الإسلامي ازدهارًا في جميع العلوم، وكان الفضل يرجع في ذلك إلى حكّام الدولة الموحدية الذين عنوا بالعلم والعلماء في ظل ما اتسمت به هذه الفترة من استقرار وازدهار.

و"الانتخاب" في هذا وثيقة ناطقة عن طول باع الأندلسيين، وتمكّنهم من وسائل التأليف والنقد، فقد استطاع أن يضيء جوانب من شخصية الجذامي الأندلسي الموسوعية التي تعرض لـ"أدب الكتاب" بالشرح والتحليل والنقد على نفس المستوى العلمي على الرغم من اختلاف الزمان والبيئة.

والشرح بعد في نسخة وحيدة واحدة، وهذا أدعى إلى الاحتفاظ عليه، وإنقاذه من الضياع.

واستجابة لهذه الدوافع المادية والمعنوية شرعنا في عملنا واثقين من

<<  <  ج: ص:  >  >>