للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسِّبَاعَ، فَتُكْثِرُ التَلَفُّتُ إِلَيْهِ. وَذَلِكَ أَصَحُّ وَأَحْسَنُ فِي تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ بِهَا فِي الْمَنْظَرِ، لأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا حَذِرَةٌ مِنَ الرُّقَبَاءِ، فَهِيَ مُتَشَوِّفَةٌ كَتَشَوُّفِ هَذِهِ البَقَرَةِ.

وَمَنْ جَعَلَ النَّاظِرَةَ البَقَرَةَ، كَانَ مُطْفِلٌ صِفَةً لَهَا. وَالتَّقْدِيرُ؛ وَتَتَّقِي بِعَيْنِ بَقَرَةٍ نَاظِرَةٍ مُطْفِلٍ، ثُمَّ حَذَفَ المُضَافَ. فَهُوَ إِذَنْ مِنْ إِبْدَالِ الشَّيْء مِنَ الشَّيْء، وَهُمَا لِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ.

وَذَهَبَ بَعْضُ النَّحْويينَ وَأَحْسِبُهُ ابن كَيْسَانَ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ: وَتَتَّقِي بِنَاظِرَةِ مُطْفِلِ، فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَ المُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ رَدَّ التَّنْوِينَ الَّذِي كَانَ سَقَطَ للإِضَافَةِ. وَعَلى هَذَا كَانَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَ الآخَرِ: (خفيف)

رَحِمَ اللهُ أَعْظُمًا دَفَنُوهَا … بِسَجِسْتَانَ طَلْحَةِ الطَّلْحَاتِ (١)

وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى مِثْلِهِ، لأَنَّ العَرَبَ إِذَا حَالَتْ بَيْنَ المُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ لَمْ تُنَوِّنُهُ. وَذَلِكَ أَكْثَرُ فِي الشَّعْرِ مِنْ أَنْ يُحْصَى كَقَوْلِهِ: (بسيط)

كَأَنَّ أَصْوَاتَ مِنْ إِيغَالِهِنَّ بِنَا … أَوَاخِرَ المَيْسِ أَصْوَاتُ الفَرَارِيجِ (٢)

وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الشَّيْءُ عَلَى الشُّذُوذِ إِذَا وُجِدَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: مِنَ وَحْشِ وَجْرَةَ. (البيت).

"مِنْ" فِيهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، لأَنَّهَا فِي مَوْضِع خَفْضٍ عَلَى الصِّفَةِ لِنَاظِرَةٍ،


(١) البيت لعبد الله بن قيس الرقيات في ديوانه: ٢٧؛ الحيوان: ١/ ٣٣٢؛ فعلت وأفعلت: ٩١؛ الخزانة: ٤/ ٤١٤، ٨/ ١٠، ١٠/ ١٢٨؛ المقتضب: ٢/ ١٨٨ "نظر"؛ الإنصاف: ١/ ٤١؛ الحماسة البصرية: ٢/ ٤٤؛ كتاب التنبيه والأيضاح: ١/ ٢٥٦؛ شروح السقط: ٣/ ٩٦٨؛ الهمع: ٣/ ١٥٠؛ وطلحة الطلحات أحد الأجواد المشهورين في الإسلام واسمه طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي.
(٢) ديوان ذي الرمة: ٢/ ٩٩٦؛ الجمهرة: ٣/ ٥٤؛ العين: ٥/ ٥١ "أنقاض الفراريج"؛ وكذا في اللباب: ٢٩٥؛ الإنصاف ٢/ ٤٣٣؛ الخزانة: ٤/ ١٠٨ - ٤١٣ - ٤١٩؛ المقتضب: ٤/ ٣٧٦؛ شرح المفصل: ١/ ١٠٣، ٢/ ١٠٨؛ الحيوان: ٢/ ٣٤٢؛ شرح الحماسة للمرزوقي: ٣/ ١٠٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>