للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي بَيْتِ (١) امْرِيء الْقَيْسِ أَنَّهُ أَرَادَ بِـ "أَسِيل" كَمَا تَقُولُ: صَدَّ بِوَجْهِهِ عَنِّي، وَإِذَا جَعَلْتَ "عَنْ" مُتَعَلَّقَةٌ بِـ "تُبْدِي" لَمْ يَلْزَمُ مَا قَالَ، لأَنَّهُ يُقَالُ: أَبْدَيْتُ عَنِ الشَّيْءِ: إِذَا أَظْهَرْتَهُ. قَالَ عَبْدُ بَنِي الحَسْحَاسِ (٢) يَصِفُ ثَوْرًا: (طويل)

يَهِيلُ وَيُبْدِي عَنْ عُرُوقٍ كَأَنَّهَا … أَعِنَّهُ حَرَّازٍ جَدِيدًا وَبَالِيَا (٣)

وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَنْ تُعْمِلَ الفِعْلَ الثَّانِي، وَتَجْعَلَ "عَنْ" مُتَعَلِّقَةً به عَلَى وَجْهِهَا، لأَنَّهُ لَوْ أَعْمَلَ الفِعْلَ الأَوَّلَ لَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: تَصُدُّ وَتُبْدِي عَنْهُ بِأسِيلٍ، لأنَّ الفِعْلَ الأَوَّلَ إِذَا أُعْمِلَ فَحُكْمُ الفِعْلِ الثَّانِي أَنْ يُضْمَر فِيهِ.

وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)(٤)، أي: بِالهَوَى (٥)، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ. وَ "عَنْ" فِي الْآيَةِ عَلَى بَابِهَا، غَيْرَ بَدَلٍ مِنْ شَيْءٍ. وَالْمُرَادُ أَنَّ نُطْقَهُ لَا يَصْدُرُ عَنْ هَوًى مِنْهُ، إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ وَحْيٍ" (٦).

"وَتَمَامُ بَيْتِ امْرِيءِ الْقَيْسِ: (طويل)

بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ

وَ "النَّاظِرَةُ" فِيهَا قَوْلَانِ: قِيلَ أَرَادَ الْعَيْنَ. وَقِيلَ: أَرَادَ بَقَرَةً نَاظِرَةً. وَ "وَجْرَةُ": فَلَاةٌ تَألَفُهَا الوَحْشُ. وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لأَنَّهَا قَلِيلَةُ الْمَاءِ، فَوَحْشُهَا تَجْتَزِئُ بِالنَّبَاتِ الأَخْضَرِ عَنْ شُرْبِ المَاءِ فَتَضْمُرُ بُطُونُهَا وَيَشْتَدُّ عَدْوْهَا. و "مُطْفِلٌ: ذَاتُ طِفْلٍ وَخَصَّهَا لأَنَّهَا تَحْنُو عَلَى وَلَدِهَا وَتَخْشَى عَلَيْهِ القُنَّاصَ


(١) الديوان: ١٦؛ أدب الكتاب: ٥٠٩. وهو:
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي … بناظرة من وحش وجرة مطفل
(٢) اسمه سحيم وكان جيد الشعر، يعد من المخضرمين، صاحب تغزل. ترجمته في: الشعر والشعراء: ١/ ٤٠٨؛ الأغاني: ٢٠/ ٢؛ السمط: ٧٢٠؛ الإصابة: ٣/ ١٦٣؛ الخزانة: ٢/ ١٠٢.
(٣) البيت في الاقتضاب: ٢/ ٢٧٤.
(٤) سورة النجم (٥٣): الآية ٣؛ أدب الكتاب: ٥٠٩.
(٥) مجاز القرآن: ٢/ ٢٣٦.
(٦) الاقتضاب: ٢/ ٢٧٢ - ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>